حسن علي العمري

صحتنا وجودة الحياة

الثلاثاء - 11 أبريل 2023

Tue - 11 Apr 2023

جودة الحياة إحدى ركائز رؤية الدولة في توجهاتها الحديثة، وهي كل ما يتعلق بسلامة الأفراد والمجتمعات من كافة الجوانب وبالأخص الصحة الجسدية، وإن كان هذا المفهوم حديثا نسبيا إلا أنه قد ورد ضمن الحقوق التي تكفلها الدولة للمواطن وفق دستورها كما هو واضح من المادة السابعة والعشرين والحادية والثانية والثلاثين من النظام الأساسي للحكم، إلا أن هناك الكثير من الممارسات التي لا زالت تتم من الكثير فيما يتعلق بالأضرار التي تمس الصحة العامة أو البيئية من بعض العمالة الوافدة ممن اشتهر تكتلهم في بعض النشاطات وخاصة في المواسم كشهر رمضان والأعياد وفترة الصيف.

وفيما يتحدث البعض عن وجود هذه الممارسات في العلن دون تحرك فعّال من قبل الجهات المختصة بالرقابة، ورضا المواطن وصمته عن الإبلاغ عن مثل ذلك، في ظل ضعف الحس الوطني لدى البعض أو تكسبه من تأجير مزرعته الخاصة لهذه الفئات بريالات معدودة مع اتفاقنا على غياب تام للآلية الممكنة للتواصل السريع والفاعل لتلقي أي ملاحظة وتمحيصها ومعالجتها.

فعلى مستوى المأكولات التي تقدم للناس في المطاعم أو البوفيهات أو الأماكن المكشوفة وخاصة في المناطق الشعبية تجد العمالة السائبة ببدائيتها وثقافتها تمارس العمل العشوائي الخالي من أي مستوى مقبول للنظافة والسلامة، إلا أن الوضع الكارثي تجده في أماكن المزروعات الورقية وأشباهها التي استولت عليها في القرى وأطراف المدن، فئتان معلومتان من العمالة سواء كانت وافدة أو سائبة تعمل لحسابها الخاص أو كليهما، التي عرف عنها القيام باستئجار المزارع ذات المساحات الصغيرة من أصحابها بثمن بخس ثم تتولى زراعتها وحقنها بالملوثات السامة وتمريرها للأسواق لطلب الكسب السريع طالما هم في مأمن من المتابعة والمحاسبة فتسقي بكأس سمومها من يستهلكها، لتبدأ معها رحلة المعاناة الصحية والأمراض وطلب الشفاء وبالتالي تتحمل الدولة والأفراد وزر ذلك العبث الصحي بتحمل معاناة وتكاليف رحلة العلاج وآثاره النفسية والمادية التي قد يشقى المصاب من أثر هذه السموم وقد لا يشفى.

وللمتأمل أن يشاهد بغير ما صعوبة ما يمارسه الكثير من العمالة الوافدة من تلويث للبيئة سواء بسقيها بمياه غير صالحة من خلال جلبها من مصادر غير صحية أو خلطها بمكونات كبيرة من الأسمدة الكيماوية ثم استزراعها واستمرار تلويثها بكميات إضافية من تلك المواد ليخرج لك المنتج المستهدف في شكل جميل وجذاب ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، مع علم هؤلاء حق العلم أنه لن يتم الكشف على منتوجاتهم ولا اختبارها ولا محاسبتهم عليها، فيما هناك من يعرقل أي جهد لمنع هذا العبث أو كشفه للناس.

وتدور عجلة الزمن عاما تلو الآخر ولا زالت هذه الإشكالية حاضرة مستمرة متجددة تفتك بصحة الكبير والصغير بصمت، رغم علم الجميع والجهات الصحية بمسببات الكثير من الأمراض التي أزهقت حياة الآلاف ولا زالت، وكبدت الدولة مليارات الريالات تكاليف للخدمات الصحية المقدمة للمصابين من هذه المزروعات والمأكولات المسمومة، والتي كان من الممكن تلافيها بجهود وقائية ميدانية وتوعوية مع فرض إجراءات عقابية لمن يثبت عليه شيء من هذه المخالفات.

ولكون الصحة العامة ركن من أركان النظام العام التي تحرص الدولة على عدم المساس به كونه متعلقا بحسن سير حياة المجتمع وسلامته فإن، هذه الظاهرة تحتاج لوقفة حسم تتكاتف فيها الجهود الفردية والمجتمعية والرقابية المعنية، وقد آن الأوان لتجريم ذلك بشكل محدد وفق قاعدة المشروعية مع تحديد العقوبات المناسبة سواء كانت العقوبات السالبة للحرية أو الغرامات المالية للحق العام وبقاء الحق الخاص فيها من الأضرار قائما بيد صاحبه يتم جبره في صورة تعويضات مالية يحددها القضاء المختص وفق مقتضى كل حالة.

hass_qr@