هتون أجواد الفاسي

تحدي طيف التوحد وحلم القدرات

الاثنين - 03 أبريل 2023

Mon - 03 Apr 2023

يوافق الثاني من أبريل اليوم العالمي للتوعية باضطراب طيف التوحد.

قصة أطفال ورجال وشابات التوحد في بلادنا ما فتئت تتكرر عبر السنين.. قصة عدم كفاية المراكز والتشخيص والرعاية التي تكفل لهذه الفئة من أبنائنا الحياة الكريمة المستقلة مع الاستفادة من قدراتهم الكامنة والمجهولة.

في جلسة حوارية بعنوان «حلم يتحقق» لقصص النجاح التي يخوضها بعض الأهالي مع أبنائهم استضافتها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في 18/3/2023، سمعنا والتقينا بأمهات وآباء آمنوا بقدرات أبنائهم ونجحوا معهم في تقبلهم ونقلهم إلى مرحلة متقدمة من حياتهم الفريدة.

كنت محظوظة بدعوتي من قبل الدكتورة لمياء شريف خيري، زميلة دراسة قديمة، نعود لعشرين عاما مضت كنت في مرحلة الدكتوراه وهي طبيبة أتت إلى بريطانيا لتتخصص وتحضر الماجستير في أحد فروع الطب، لكن ما لم أكن أعرفه أنها غدت مختصة بالطب التأهيلي في السنوات الأخيرة بعد أن رزقت بثلاثة أطفال من متحديي التوحد، قصّت قصتها معهم ضمن الجلسة الحوارية. لكن أصعب موقف في رواية هذه القصة كانت نهاية حياة ابنها الأكبر عبدالعزيز وهو في سن الثامنة بسيارة قضت على حياته في يوم العيد. تقول إن أكثر ما لا زال يؤلمها أنه غادرهم قبل أن تعرف ما الذي كان يبكيه.

وموضوع صعوبة معرفة ما يثير غضب أبناء التوحد تكرر بين الأهالي الذين كانوا يكتشفون أن سببها آلام لا يعرف الطفل كيف يعبر عنها أو يوصل علمها إلى أهله وكان أصعبها ألم الأسنان والتي استفاض بخصوصها طبيب الأسنان الدكتور أحمد الخضر الذي أصبح مختصا بأسنان ذوي الاحتياجات الخاصة لتفهمه لأوضاع ذوي التوحد بالدرجة الأولى نظرا لمعاناته الشخصية مع ابن توحدي. وزيارة طبيب الأسنان هي إحدى الصعوبات التي يواجهها الأهالي لاحتياج الطفل إلى معاملة خاصة تراعي حساسيته المفرطة تجاه الضوء والصوت واللمس.

رافق ذلك استعراض لترجمة كتاب ملهم في موضوعه تمت ترجمته من قبل دار أدب للنشر والتوزيع وقدم المترجم عبدالرحمن الفدح السيد ملخصا غير مخل للقصة التي ترويها أم لطفل توحدي تعود لفئة الآميش الأمريكية/الألمانية تدعى كريستين بارنيت، وبعد حالات يأس متصلة بحمل الطفل وولادته ومن ثم اكتشاف وإنكار أنه من فئات التحدي الذين يطلق عليهم أطفال التوحد، لتكتشف في ابنها قدرات غير عادية في حل المعادلات الفيزيائية جعلت إحدى الجامعات تقبله طالبا لديها وهو في التاسعة من عمره. وتمضي القصة وتفاصيل المعاناة أيضا التي يتركها المترجم لنا لنستكملها وحدنا، لكنها تعكس آمالا وتفتح أبوابا نحو محاولة فهم هذه الفئة من أبنائنا وهم في مراحل طفولتهم المبكرة.

لكن بقي السؤال، هل يمكن لمؤسساتنا أن تسمح باكتشاف قدرات هؤلاء الأطفال وأحلامهم؟ لم تكن الإجابة متفائلة، فقد أخذت القصص تترى وهي تروي ارتطامها بعدد كبير من المعوقات التي تقف أمام تحقيق هذه الأحلام.

لعل أكبر المشكلات كانت عدم توفر مراكز كافية للعدد المعروف والمتزايد لهذه الفئة، التي تصل إلى حالة في كل 167 ولادة ليصل تقدير المصابين بما بين 48-117ألف طفل. والمشكلة الثانية، تغطية التكاليف التي تنوء بحملها الأسر على الرغم من الإعانات الشهرية ودفع رسوم بعض مراكز التأهيل.

أما المشكلة الثالثة فقد كانت التشخيص، الذي تتضارب نتائجه بين أكثر من جهة من كل من وزارة التعليم والصحة والموارد البشرية، فضلا عن أن التشخيص لا يجري دوما بشكل علمي دقيق حيث إن المدة التي يستغرقها كل تشخيص لا تتجاوز العشر دقائق.

هذه المشكلات ما زالت قائمة على الرغم من إنشاء برنامج الأمير محمد بن سلمان للتوحد واضطرابات النمو وافتتاح 7 مراكز تابعة لمستشفيات القوات المسلحة موزعة جغرافيا حول المملكة لعلاجه، (الرياض، جدة، الطائف، تبوك، حفر الباطن، خميس مشيط، الظهران)، وانتشار عدد جيد من المراكز الخاصة بالتوحد في المملكة برعاية الجمعية السعودية الخيرية للتوحد مثل مركز الأمير ناصر بن عبدالعزيز، حيث العيادة الشاملة لتشخيص التوحد.

على الرغم من كل ما سبق، إلا أن الاحتياج ما زال قائما، فعدد المراكز المتوفرة في المملكة لا يتناسب مع الأعداد ولا مع الاحتياج، سواء للتشخيص أو الرعاية أو التأهيل لاسيما ما بعد سن السادسة عشرة، أو لدمجهم في التعليم العام. ولا زال الطاقم الفني والتربوي يشكو من الضعف على الرغم من آلاف خريجي وخريجات أقسام التربية الخاصة من 27 قسما في 27 جامعة في جميع أنحاء المملكة فضلا عن خارجها في مختلف التخصصات المتصلة بفئات التربية الخاصة.

كيف ذلك؟ لأنهم يشكون من البطالة لأسباب كثيرة منها أن وزارة التعليم لم توسع بعد برامجها في التعليم العام لتشمل الفئات كافة التي تحتاج إلى خدمات التربية الخاصة، وقد فصّل الدكتور ناصر الموسى في هذا الموضوع ووفّى في التوصية لحله (الجزيرة 10/10/2019).

فعلى الرغم من كل ما ذكرناه سابقا وكل الاهتمام الوطني والدراسات، لكن ما زالت طاقة كل هذه المراكز أقل من المطلوب والمحتاج إليه وما زالت الأسر تنتقل مع أطفالها إلى الإمارات والأردن للإقامة بها حيث هناك مراكز أكثر خبرة وكفاءة من كل مراكزنا، ولعل أكثر ما تفتقر إليه مراكزنا هو موضوع الرقابة والتقييم الذي يقتصر على الإدارة ويغيب عن عمل الأخصائيين.

أمر يثير التساؤل وبحاجة لعمل أكثر جدية وكفاءة حتى نسمح لهذه الفئات وأسرها بتحقيق أحلامها.