حسن علي القحطاني

رمضان.. قصير لا يحتمل التقصير

الاثنين - 27 مارس 2023

Mon - 27 Mar 2023

أقبل علينا رمضان يحمل معه الجوع والظمأ، والتعب والنصب، ولكنه جوع تشبع معه الروح وتروى، وعناء تستريح فيه وتقوى.

جاء رمضان لتورق فيه شجر الطاعة؛ ولنسمع التلاوة العذبة، ونتذوق فيه حلاوة الصيام، ونقف وقفة الخاشع بين يدي الرب الكريم، تفتح للعاصي صفحة بيضاء من صفحات الأيام؛ ليتوب ويخفف لون السواد في باقي صفحات العام، فرصة كريمة ليتزود المتقون، ويقبل الشاردون، ويكثر التالون والعابدون والقائمون والمتصدقون، وينتصر الصادقون على الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.

هكذا رمضان يربط الماضي بالحاضر؛ فالصوم عبادة قديمة في الأمم الماضية، غير أن صيامه في أمتنا يختلف عما قبلها بالزمان والمقدار والتيسير، إن شهر رمضان شهر تفتح فيه أبواب الجنان لكثرة الداخلين، وتغلق فيه أبواب النار لقلة الوالجين، وتصفد فيه الشياطين لقلة الغاوين.

الصيام سبيل إلى تحصيل التقوى، وتربية النفس على الإخلاص والمراقبة للمولى، وهـو طريق إلى تفرغ القلب للتفكر واللسان للذكر، وسائر الجوارح للمسابقة إلى الخيرات في جميع الأوقات، والصيام يعرف به الغني قدر نعمة الله عليه بالغنى، ويعين على ضبط النفس والسيطرة عليها والحد من كبريائها وانفلاتها، ويربي المسلم على الإيثار ورحمة المحتاجين، والصبر على إساءة المسيئين والصبر على طاعة الله ومرّ قضائه، ويذكر الصائم بأنه عبد لله تعالى مستسلم لأمره وحكمه.

إن هذه العبادة العظيمة تزرع في نفس المسلم التطلع إلى الدار الآخرة حين يجوع ويظمأ؛ ويحرم من الشهوات ويعاني النصب؛ والتعب؛ فيتذكر ما يلاقيه أهل النار من ذلك فيبحث لنفسه عن منجاة وخلاص، فالصيام من العبادات العامة التي جعلت بعض المسلمين يؤديها عادة وجريا مع الجمع الصائم مكتفيا بظاهرها دون التأمل فـي معانيها والأهداف التي شرع لأجلها، فالمسلمون يصومون رمضان كل عام، لكن بعضهم اقتصر على الإمساك عن الطعام والشراب والمعاشرة الزوجية فحسب؛ وظن أن الصيام هو ذاك فقط، والحق أن الصيام أعمق من ذلك، وأوسع مما ظن وتصور، إن الصوم الشرعي -معشر الصائمين- ليس هو الامتناع عن تلك المفطرات وحدها، بل هو إمساك عن جميع ما لا يرضي الله من المعاصي صغيرها وكبيرها، فالصوم الكامل أن تصوم جميع الجوارح عن المساخط والرذائل، فاللسان يصوم عن قول الزور والباطل، والسوء، والفحش والبذاء والتعدي على الآخرين بالطعن والثلب ونحو ذلك من سقط الكلام وعيبه، وفيه تصوم العينان عن النظر إلى الحرام من الأعراض الممنوعة والعورات المستورة، منه أيضا أن تصوم الأذنان عن سماع اللهو والخنا، والنم والتعييب للخلق، بل وتصوم الرجلان عن الخطوات إلى المحرمات والثبات في البعد عن العثرات، ومن أنبل مقاصد الصوم صيام القلب والعقل والنفس عما لا ينبغي دينا وخلقا، هذا هو صيام العبادة.

أما أهل صوم العادة فإنهم يطلقون لجوارحهم العنان في رمضان لترتع حيث شاءت، ومما تعودت عليه؛ فأصبحوا يسمعون ويشاهدون ويبطشون ويسعون إلى منازل الشـر عـن علم أوعن جهل، ففي رمضان قد يرى بعض صوام العادة صائما ولا يصلي، أو يصلي بعض الفروض ويترك بعضها الآخر، وفي النهار يقضي نهاره بالنوم، وفي الليل يقدح زناد اللهو لينطلق في ليالي الغفلة إلى عكوف أمام قنوات تخدش حياءه وتجرح صومه، وتذهب عنه أثر عبادة الصيام إن أثمرت فيه شيئا، ومنهم من يجعل رمضان شهرا للغضب وضيق الخلق؛ فيخرج منه السب والشتم والجواب غير اللائق بالمسلم وذي الخلق الكريم.

أخيرا، هذه مائدة رمضان مدت أمامك فلا تحرم نفسك الصيام المقبول والفوز بالمأمول ولا تضيع وقت رمضان النفيس في اللهو واللعب والغفلة وكثرة العبث؛ فالمفلح من انتهز الفرص وبادر العمل قبل مفاجأة الأجل، ويمكن اختصار رمضان في عبارتين؛ قصير لا يحتمل التقصير، قدومه عبور لا يقبل الفتور، وفكلما تكاسلت تذكر قوله تعالى (أياما معدودات)، وليكن رمضان بين الشهور كيوسف بين إخوته فلا تقتلوه، ولا تلقوه في الجب، ولا تبيعوه بثمن بخس، بل أكرموا مثواه، عسى أن ينفعنا، أو نتخذه شفيعا يوم الحساب.

hq22222@