وليد الزامل

تكاليف الحياة الحضرية بين المثالية والطبقية

السبت - 25 مارس 2023

Sat - 25 Mar 2023

يتناول مفهوم التحضر مبدأ التمركز السكاني في المدن، ويشمل توزيع السكان والنشاط الاقتصادي في إطار منطقة حضرية معينة (مدينة) يتم تحديدها مكانيا وفقا للموارد، وإمكانية الوصول، والمحددات الطبيعية. بعبارة أخرى، يركز التحضر على تعظيم الاستفادة من استقرار السكان في منطقة محددة والتنوع الاجتماعي والثقافي مقابل استغلال موارد الأرض لتحقيق التنمية.

وعلى الرغم من أن التحضر يحقق الازدهار الاقتصادي والتنمية؛ إلا أنه يأتي مصاحبا لعدد من الإشكالات الحضرية تتمثل بالهجرة السكانية غير المتوازنة، والازدحام المروري، وارتفاع الطلب على الإسكان والخدمات، وزيادة معدلات التلوث، والبطالة، وانتشار العشوائيات.

ويمكن معالجة هذه الإشكالات من خلال «التخطيط العمراني» وذلك بتطوير سياسات وطنية وإقليمية مستدامة تحقق التوازن بين الموارد الاقتصادية والبيئية والمنفعة الاجتماعية. ومع ذلك، يأتي الصراع الطبقي بين المجموعات الاجتماعية في المدن الكبرى كنتيجة حتمية للتنوع الثقافي والديني والأيديولوجي للسكان في المجتمع الحضري وهو أمر لا مناص منه لأنه أحد أهم سمات التحضر.

إن المجتمع الحضري -على عكس المجتمع الريفي- يخضع للتطور وفقا لمبدأ العمل التعاوني، حيث يعتمد المجتمع الحضري على تبادل الخبرات والتعايش واستمرارية الإنتاج وصولا لتحقيق الرفاه الاجتماعي وهي المرحلة النهائية والتي يتم فيها تحقيق كافة الاحتياجات الإنسانية الأساسية ويكون فيها المجتمع قادر على التعايش رغم تعقيد النسيج الاجتماعي بعدالة ودون تمييز عنصري.

وهكذا فإن التنوع الاجتماعي في المنطقة الحضرية يعد بمثابة مرحلة المخاض الأولى لتوليد التنافسية الاقتصادية بين أفراد المجتمع والتي يمكن أن تقود إلى الرفاه الاجتماعي أو الصراع الاجتماعي في حال غياب «التخطيط العمراني».

إن المدينة ليست مجرد هيكل مادي -كما يراها البعض- ولكنها مؤسسة اجتماعية معقدة أو مسرح كبير يتفاعل جميع أعضائه بشكل تنافسي وفقا للنظام الاقتصادي. كل جزء من المدينة له تكلفة اقتصادية اعتمادا على نوعية الأنشطة الاقتصادية، ومستوى الخدمات المقدمة وجودتها في المدينة، وعامل المسافة أو القرب من المناطق الحيوية. من هذا المنطلق، فإن أسعار الأراضي والإيجارات والإسكان والضرائب والحياة العامة في المناطق الحضرية أعلى تكلفة من الإقامة في المجتمعات الريفية.

لقد أسهمت التكنولوجيا الحديثة، وتطور أنظمة النقل، والاتصالات في تقليص مسافة الزمان والمكان، ولن تدوم قيم العطف على الفقير ومساعدة المحتاج في ظل تسارع وتيرة الحياة في المدن.

المهاجرون الجدد الذين يعيشون في المدينة بحثا عن فرص عمل أفضل يواجهون في الواقع مشكلة غلاء المعيشة في المجتمعات الحضرية، لذلك، يعيش الفقراء والمهاجرون الجدد غالبا في مساكن متدهورة أو أحياء فقيرة بسبب عدم قدرتهم على الدخول إلى سوق الإسكان الرسمي الذي تسيطر عليه طبقة المستثمرين العقاريين وأصحاب رؤوس الأموال، وهكذا تصبح المناطق المتدهورة عمرانيا أكثر رواجا وبيئة مناسبة لاستيعاب الفئات الفقيرة، وهو ما يعيد دائرة المدينة نحو الصراع الاجتماعي بين الفقراء والأغنياء أو السود والبيض وتتجلى أبشع مظاهرها السلبية حتى في الدول المتقدمة بارتفاع معدلات الجريمة والبطالة والأمراض والتهميش الاجتماعي.

إن تطوير المجتمع الحضري يعتمد على خلق مبدأ التعايش وتكافؤ الفرص لجميع أفراد المجتمع وهذا لا يتم إلا من خلال تطوير السياسات وخطط التنمية العمرانية المستدامة والتي تضمن وصول الجميع إلى كمية متساوية وعادلة من الموارد.

وختاما، يجب أن تستهدف الخطط العمرانية التوازن بين احتياجات المجتمع في الحاضر والمستقبل مع ضمان عدم احتكار المستثمرين ومالكي موارد رأس المال، والتفريط في ذلك له كلفة اقتصادية واجتماعية تؤثر سلبا على المجتمعات الحضرية.

waleed_zm@