اليونسكو.. ساحة مواجهة صينية ـ أمريكية

إدارة بايدن ترصد 1.7 مليار دولار للهيمنة على المنظمة المهتمة بالثقافة والفنون
إدارة بايدن ترصد 1.7 مليار دولار للهيمنة على المنظمة المهتمة بالثقافة والفنون

الجمعة - 24 مارس 2023

Fri - 24 Mar 2023



الصينيون أكثر سيطرة على المناصب القيادية باليونسكو                             (مكة)
الصينيون أكثر سيطرة على المناصب القيادية باليونسكو (مكة)
في الوقت الذي يركز فيه العالم اهتمامه على الحرب الروسية الدائرة ضد أوكرانيا، أطلقت الولايات المتحدة حربا صامتة لمواجهة النفوذ الصيني داخل المنظمات الدولية، وأصبحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) ساحة المعركة الأولى من هذه الحرب، حسب التحليل الذي نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية، لكل من باتريك مينديس الأستاذ الزائر للعلاقات عبر الأطلسي في جامعة وارسو البولندية والدبلوماسي الأمريكي السابق، وأنتونينا لوتسكتسيكيفيتش المديرة المؤسسة لمركز أبحاث تايوان في جامعة ياجيلونيان بمدينة كراكوف البولندية والباحثة في جماعة إنديانا بلومينجتون الأمريكية.

عودة أمريكا

في ديسمبر الماضي، أقر الكونجرس مشروع ميزانية العام المالي الحالي بقيمة 1.7 تريليون دولار، وفيها تنازل يفتح الباب أمام إدارة الرئيس جو بايدن لإعادة الولايات المتحدة إلى عضوية اليونسكو، ونصت الميزانية بوضوح على أن هدف العودة إلى المنظمة التي تتخذ من باريس مقرا لها، هو «مواجهة النفوذ الصيني ودعم المصالح القومية الأخرى للولايات المتحدة».

وفي عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي رفع شعار «أمريكا أولا»، تجاهلت واشنطن المشاركة في المنظمات الدولية، بما في ذلك المنظمات التابعة للأمم المتحدة. ولكن مع وصول بايدن للحكم رفع شعار «أمريكا عائدة»، وسعى لإصلاح «الصورة المشوهة» للولايات المتحدة، واستعادة ريادتها في المنظمات الدولية.

وكان ترمب انسحب في 2018 من منظمة اليونسكو، بدعوى حاجتها إلى إصلاحات أساسية، وانحيازها المستمر ضد إسرائيل، والحقيقة أن الولايات المتحدة توقفت عن سداد حصتها في ميزانية المنظمة عام 2011، ردا على منحها العضوية الكاملة لدولة فلسطين، بسبب صدور قانون أمريكي عام 1990، يلزم أي إدارة أمريكية بالتوقف عن الإسهام في تمويل أي منظمة دولية تمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة.

هيمنة صينية

عندما توقفت الولايات المتحدة عن سداد حصتها في ميزانية اليونسكو عام 2011، تدخلت الصين بسرعة وقررت تعويض أي نقص في ميزانية المنظمة الدولية، لتصبح أكبر دولة مساهمة في ميزانيتها.

كما وقعت الصين مجموعة واسعة من الاتفاقيات الثنائية مع المنظمة الدولية، وعينت مواطنا صينيا نائبا للمدير العام لليونسكو، ونجحت في إدراج 56 موقعا صينيا على قائمة التراث العالمي، لتصبح ثاني أكبر دولة في هذا المجال بعد إيطاليا.

وأصبحت الصين تعامل اليونسكو باعتبارها «شريكا استراتيجيا» لدعم تجديد شباب الأمة الصينية، وتشجيع مبادرة الحزام والطريق ودعم التعددية الدولية. وأدت هذه الشراكة بالفعل إلى دعم المكانة العالمية للصين كدولة رائدة في تنفيذ مهمة اليونسكو لدعم التعليم والعلوم والثقافة على مستوى العالم.

كسب القلوب

يقول مينديس ولوتسكتسيكيفيتش إن صناع السياسة الأمريكية أدركوا أن الاستثمار الصيني منخفض التكلفة، مرتفع العائد في منظمة اليونسكو، وفي غيبة الولايات المتحدة نجح بهدوء في كسب قلوب وعقول المواطنين في العالم.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تنسحب فيها الولايات المتحدة من اليونسكو. كانت المرة الأولى في عهد الرئيس الراحل رونالد ريجان في ديسمبر 1984، ورأى ريجان أن المنظمة تعاني سوء الإدارة والفساد، وتستخدم لدعم المصالح السوفييتية.

وبعد مرور حوالي عقدين، وفي أكتوبر 2003، قرر الرئيس جورج بوش الابن العودة إلى اليونسكو بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 ، إذ قال إن عودة أمريكا للمنظمة رمز على «التزامها بالكرامة الإنسانية»، وإنه «تم إصلاح المنظمة وستشارك الولايات المتحدة تماما في مهمتها، لدعم حقوق الإنسان والتسامح والتعليم».

مواجهة النفوذ

يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فقانون الميزانية الأمريكية الحالية يسمح للولايات المتحدة بالعودة إلى اليونسكو، مع سداد كامل مساهمتها في المنظمة منذ 2011 بقيمة 616 مليون دولار.

وبهذه الخطوة تجهز واشنطن المسرح لمواجهة النفوذ المتزايد، والصامت للصين في المنظمات الدولية، كما أن العودة إلى اليونسكو ستسمح لواشنطن الرد على الحرب الروسية المدمرة ضد الشعب والتراث في أوكرانيا.

وكان منع تايوان، التي ترى الصين أنها إقليم منشق وتطالب باستعادة السيادة عليه، من المشاركة في أي منظمة دولية سواء كعضوية كاملة أو بصفة مراقب جزءا من استراتيجية صينية أوسع نطاقا لممارسة «الإكراه غير العسكري» ضد تايوان.

لذلك تبنت الصين منهجا محسوبا بدقة للسيطرة على المنظمات الدولية، وبالتالي تعديل مواقف هذه المنظمات من الداخل.

الذئاب المحاورة

تشمل استراتيجية الصين تعيين مواطنين صينيين في المناصب العليا، داخل برامج وصناديق الأمم المتحدة وأجهزتها الرئيسية والمنظمات الدولية التابعة لها.

وظهر نجاح هذه الاستراتيجية خلال وجود أكثر من 1300 صيني بين أعضاء الطاقم الأساسي للأمم المتحدة منذ 2019. وسيكون للنفوذ الصيني المتزايد داخل المنظمات الدولية عواقبه، فالتأييد الصيني الصامت للعدوان الروسي على أوكرانيا يثبت أن رؤية الصين لسيادة القانون والنظام الدولي مختلف تماما عن رؤية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وغيرهما من الدول ذات النزعة الديمقراطية.

وأخيرا، يرى المحللان مينديس ولوتسكتسيكيفيتش، أن السجل الطويل للصين في مجال انتهاك حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، يشير إلى أنه في حال حددت بكين قواعد النظام العالمي خلال المنظمات الدولية، فسيكون المجتمع الدولي أقل اهتماما بحقوق الإنسان وقيم الديمقراطية.