علي المطوع

«أنا أفكر إذن أنا مفقود»

الاحد - 19 مارس 2023

Sun - 19 Mar 2023

الراسخون في الفهم سيستغربون العنوان لأول وهلة، كون عبارة الفيلسوف الفرنسي الشهير ذائع الصيت ديكار «أنا أفكر إذن أنا موجود» هي الأساس، والتي قالها في ذلك الظرف الاستثنائي من تاريخ أوروبا.

لا تعنينا تلك العبارة ولا أبعادها، ولا ظروفها الزمانية والمكانية التي قيلت فيها، ما يعنيني ويعنيكم أنتم بالضرورة كقراء لهذه المساحة الكتابية، هو العنوان أعلاه، وهل قد يصح أم أن فيه تجاوزا على عقولكم وتجاربكم؟

إن القرآن الكريم دأب في خطابه للمؤمنين على ضرورة إملاء العقل والتفكر والتدبر في ملكوت الله، فكثيرة هي الآيات التي تقول ذلك وتشير إليه (أفلا يعقلون) (أفلا تتذكرون) (أفلا يتدبرون) وهذا فيه إشارة واضحة وجلية لسمو الإسلام كرسالة سماوية تصلح للدين والدنيا، بشرط أن يفهم على أصوله السمحة ووسطيته الناصعة الجميلة، إذ إن التفكير وكما قال العقاد في أحد مؤلفاته بل في أحد عناوينه التي ما زالت رائجة حتى اليوم: «التفكير فريضة إسلامية».

وفي بعض المجتمعات الإدارية البدائية يصبح التفكير وبالا على صاحبه، ويصبح الخطيئة التي ليس لها كفارة؛ فالتفكير في هذه (المستعمرات) حق حصري للمدير وحده، أما البقية الباقية فهم كالبيادق على رقعة الشطرنج.

إن الشراكة الإدارية مطلب مهم، للنهوض بالمؤسسات والعمل على زيادة إنتاجيتها، لكن البعض من المديرين يمارسون نوعا من الديكتاتورية المقيتة، بمعنى أنها ديكتاتورية تحاول إخفاء مركبات النقص التي يشعرون بها، والتي يحملونها منذ طفولتهم المبكرة عندما كانوا أطفالا صغارا محرومين من بعض المتع التي يتمتع بها أقرانهم، أو طفولة بائسة بسبب تسلط أحد الأبوين أو كلاهما عليهم بالضرب والتعنيف والسخرية والاستهزاء.

هذا النوع من المديرين خطير جدا على نفسه ومنظومته، كونه يعاني من تركيبة نفسية حدية، تجعله يكره المختلف ويحرض عليه أعوانه ومطاياه ليستهدفوه بالضرر والهمز واللمز، وهنا يصبح الناجحون والمميزون في هذه البيئات المريضة أمام أمرين لا ثالث لهما، إما العمل تحت ضغط هذه الأجواء السلبية، أو الانكفاء إلى مناطق الظل في انتظار بارقة أمل لتغيير جديد ترمي بهذا المدير ومطاياه خارج أسوار المنظومة لتعود لها عافيتها من جديد.

إن التفكير والمبادرة في هذه البيئات السامة ليجعل الموظف النزيه عرضة لمسلسل من الضربات الدنيئة، وغارات يشرف عليها ذلك المدير البائس بنفسه؛ لتصفية كل مبدع وإخراجه من المنظومة بشتى الوسائل، بل إن بعض أولئك المطايا يترك مهامه الرئيسة ليصبح (كمرسول الحب) الذي يراقب هذا وذاك ويقوم بإرسال برقيات ورسائل عاجلة تفيد بوضع هذا الموظف وتلك الموظفة ونفسيتهما وأخبارهما كل يوم، ويقوم المدير الأعلى باتخاذ إجراءاته الانتقامية بناء على ما يصله من معلومات طازجة، وعندما يسأل عن تبعات هذه التصرفات يفاجئ نفسه ومن يدور في فلكه بقوله: لست أنا، إنه فلان الذي قال وقرر وفعل!

أما المطايا في هذه البيئات والذين تعطلت عندهم وسائل التفكر والتفكير؛ فهم يعيشون حالة من الاستقرار العاطفي والوظيفي؛ فالمدير الفاسد ينعم عليهم بالامتيازات، ويثني عليهم كل حسب جهده ومستوى تحلله من القيم والمبادئ، العجيب أنهم يشعرون جميعا بشعور واحد، وهو أن هذا المدير يحبهم كثيرا ولا يستغني عنهم، في حين أنه ينزلهم منازل دونية مختلفة ومتعددة، كل حسب دناءته وقدرته على القيام بتلك الأعمال المشينة، التي يترفع عنها السواد الأعظم من الناس، لكنهم في النهاية يظلون بالتصنيف العام عند ذلك المدير البائس، مجرد أحذية، الفرق بينهم يكمن في المكان والزمان الذي يستخدم فيه كل واحد منهم، وهنا تبرز نرجسية هذا المدير وقدرته على تشكيل هذا الأسطول من النعال، كل حسب تخصصه والأرضية المناسبة لدعسه، ومستوى استعداده للتدني والانجرار خلف تعليماته التي تقوم على إبراز نفسه ورفع صوته حتى ولوكان ذلك على حساب المصلحة العامة والتي لا يعرفها ولا يؤمن بها، إلا من خلال شكل كتابي في قرار انتقامي يسوغه بتلك العبارة الفضفاضة؛ وبناء على ما تقتضيه مصلحة العمل!

alaseery2@