زيد الفضيل

في الصورة وطريق الهجرة النبوية

السبت - 18 مارس 2023

Sat - 18 Mar 2023

عرض برنامج «في الصورة» على قناة روتانا الذي يقدمه الإعلامي عبدالله المديفر رؤية أحادية لطريق الهجرة، من واقع استضافته للدكتور عبدالله القاضي، وهو أحد الباحثين المجتهدين في تحديد مسار طريق الهجرة النبوية، لكنه ليس الأوحد في هذا السبيل حتى تُفرد له حلقة كاملة ليطرح رأيه الذي يختلف معه الآخرون في مواضع ويتفقون في مواضع أخرى، وهو ما يعد تحيزا إعلاميا غير منهجي إزاء رواية واحدة من روايات أخرى.

أشير إلى أن مسار طريق الهجرة قد ورد عند كثير من المؤرخين والبلدانيين ابتداء بابن إسحاق في سيرته، وابن سعد في طبقاته، مرورا بمحمد بن جرير الطبري، وابن الأثير، ووصولا إلى الباحث والمؤرخ الرائد الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري، والبلداني المؤرخ الأستاذ عاتق بن غيث البلادي، اللذين قاما بتوثيق المسار بشكل كبير، لا سيما الأستاذ الأنصاري الذي كان سباقا إلى تأليف كتاب مستقل أسماه «طريق الهجرة النبوية»، وصدرت طبعته الأولى من مطابع الروضة بجدة عام 1978م، وأشار بدقة في تقدمته الابتدائية إلى أنه لم يطلع على كتاب مستقل يوثق لمسار طريق الهجرة من قبل، فرأى أن يدلي بدلوه بتأليفه لكتابه الجامع وفق رأيه.

على أنه وبرغم ريادته ودقته وموثوقيته العلمية التي لا يختلف حولها اثنان، إلا أن ما كتبه بالجملة لم يكن محل اتفاق من قبل معاصره الأستاذ عاتق البلادي على أقل تقدير، حيث وضح الاختلاف بينهما في بعض مفاصل المسار.

وهو أمر أراه طبيعيا كباحث مؤرخ، لكون النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وصحبه المرافقين، وهم: أبو بكر الصديق ومولاه عامر بن فهيرة ـ رضي الله عنهما ـ ودليلهم عبدالله بن أريقط، لم يسلكوا الدروب المعروفة، سواء تلك التي تسلكها القوافل أو التي يسلكها بعض المترحلين تخففا وحثا في المسير، وذلك خوفا من الوقوع في أسر كفار قريش الذين توعدوا وأعلنوا جائزة باهظة لمن يأتي بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ حيا أو ميتا، أو غيرهم من العرب الراغبين في نيل جائزتهم الكبيرة.

من هنا، نفهم اتخاذ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لعبدالله بن أريقط دليلا بالرغم من كونه مشركا، لوثوقه بمروءته العربية، وليقوم بإيصالهم عبر دروب لا يسلكها أحد، ولا تقترب من أي مسار معروف للقوافل أو لخفاف الناس.

في هذا السياق، أشير إلى أن مدرستي الأنصاري والبلادي قد أفرزتا توجهين مختلفين ومتوافقين في بعض المواقع والإحداثيات، حيث نهج منهج الأنصاري في تحديد ملامح مسار طريق الهجرة كل من الفقيه الدكتور عويد المطرفي، وكذلك البلداني عبدالحافظ القريقري، ومعه فريق أثر العلمي المكون من الباحث في مآثر السيرة النبوية السيد سمير برقة، والمهندس عمرو درويش، وحسن عبدالشكور، ونهج منهج البلادي في تحديد ملامح مسار الطريق كل من الدكتور عبدالله القاضي، ومجموعة هيئة المساحة الجيولوجية برئاسة الدكتور زهير نواب ومعه جمال الشوالي ومحمد الرحيلي.

وتمثل الصخرة التي رفعت للنبي حال بلوغهم قائم الظهيرة فاستراحوا تحتها، أحد مواطن الخلاف بين التوجهين، حيث أشار الدكتور القاضي في البرنامج إلى صخرة بعينها بوصفها الصخرة المعنية في الأثر، ووافقه في الرأي فريق المساحة الجيولوجية، فيما خالفهم فريق أثر العلمي الذين حددوا موضعا آخر للصخرة، وفقا لرؤيتهم لمسار طريق الهجرة في اليوم الأول منه، ووافقهم في الرأي فريق باحثي المدينة المنورة.

والواقع، فقد أكرمني فريق أثر العلمي بزيارة الموقعين والوقوف على شاخص الصخرتين، وأجدني متوافقا مع رؤيتهم وفقا لطبيعة الرحلة وسمتها، وحِرص النبي وصحبه على أن ينهجوا خطة غير مسبوقة، ويسلكوا دربا غير مسلوك من قبل، ومما لا يألفه الناس في مسيرهم، وهو ما حدث باتجاههم جنوبا وسكونهم في جبل ثور ثلاثة أيام، تمويها لقريش التي ستفتش في كل الدروب المتجهة شمالا، ثم ومن باب الإمعان في التضليل أخذوا مسارا غير معروف ولو أطالوا المسافة، حتى إذا اضطروا للتقاطع مع الدروب المعروفة، يكون قد دبّ اليأس في قريش، ومن تحمس لجائزتها الكبيرة، ظنا منهم أن النبي وصحبه قد وصلوا يثرب، طالما أنهم لم يجدوه وصحبه صلى الله عليه وآله وسلم.

أخيرا، سيظل مسار الطريق محل جدل ونقاش، ولكل حجته ورأيه، ولا ينتهي هذا التباين إلا بجمع الأطراف المعنية في حلقة نقاش علمية بحضور نخبة من الجغرافيين ومؤرخي السيرة، مع استنطاق النصوص بعد تدقيقها والتثبت من صحتها، لنخرج بتصور متفق عليه لمسار نبوي مهم، تكون بعض مفاصله كالصخرة التي ارتاح فيها رسول الله وصحبه، وخيمة أم معبد، بمثابة المحطات التي يمكن زيارتها، والتأسي بسيرة المصطفى من خلالها. فهل إلى ذلك سبيل؟ ورمضان كريم.

zash113@