زيد الفضيل

يوم التأسيس.. من دولة المدينة إلى مدينة الدولة

الثلاثاء - 21 فبراير 2023

Tue - 21 Feb 2023

تكشف لنا الخارطة السياسية في القرن الثامن عشر الميلادي، عن حالة من التشظي بين أقاليم ومدن وبلدات شبه الجزيرة العربية، لا سيما في وسطها، حيث إقليم نجد الذي كان يعيش حالة من التنافر بين أمرائه، ودون أن تجمعهم سلطة مركزية، مما أفقد الناس مفهوم الإحساس بالانتماء للدولة، بما تعنيه من قيمة اقتصادية وأمنية، وصولا إلى التمتع بمختلف قيمها التكافلية.

وكان من جراء ذلك أن نمت سلطات متعددة متضاربة مع بعضها البعض، وهو ما انعكس سلبا على إنسان ومجتمع وسط الجزيرة العربية إجمالا، الذي عاش بين سلطة القبائل البدوية وقيمها وأعرافها، وسلطة المجتمع الحضري القروي المعتمد على اقتصاد السوق، كما هو قائم في عديد من مدن وبلدات نجد بوجه عام.

في هذا الإطار، تشير المصادر إلى كثرة عدد مقاتلي القبائل في وسط الجزيرة العربية وتخومها، لكن وبالرغم من وجود هذه القوة المفرطة في الرجال المحاربين، إلا أن ذلك لم ينعكس بشكل إيجابي على طبيعة الحياة المجتمعية، حيث استشرت الحروب والغزوات فيما بينهم، واستمرأت القبائل مهاجمة بعضها البعض، طلبا للغنيمة أو الثأر أو رغبة في فرض إتاوات مالية لسلطة حاكم مكة أو الأحساء.

ولم تكن في نجد أي إمارة مركزية قوية يمكنها أن تلعب دورا مركزيا في حينه، وهو ما زاد من تشتت الناس واستشعارهم بعدم الأمان الكلي، في حال مغادرتهم لمحيطهم المجتمع داخل مدينتهم أو بلدتهم التي ينتمون إليها.

في هذه الأثناء كانت الدرعية من أبرز مدن إقليم العارض بنجد التي استقر الحكم فيها، بتولي الأمير سعود بن محمد بن مقرن عام 1720م، ومن بعده الإمام محمد بن سعود الذي تولى الحكم عام 1727م، وقاد المدينة والمنطقة بعد ذلك بكل حكمة وحزم، لا سيما مع تدهور الحالة الاقتصادية جراء تقلص التجارة في القرن الثامن عشر، وانخفاض قوافل الحجاج العابرة لنجد في طريقها للمشاعر المقدسة، بسبب كثرة الحروب بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية في العراق وإيران، وهو ما انعكس سلبا على مداخيل سكان نجد بوجه عام.

كل ذلك كان محدقا بإقليم نجد حال تولي الإمام محمد بن سعود مقاليد السلطة في الدرعية، وحتما كان مؤرقا له وهو الذي يحمل همة عالية في صدره، ويدرك أن لا استقرار دون بناء دولة مركزية توقف النهب، وتؤمن سلامة الطرق التجارية وطريق الحاج.

من هنا، ابتدأ مشهد جديد في الخارطة السياسية لإقليم نجد وباقي أقاليم الجزيرة العربية، حيث وبعد أن تولى الإمام محمد بن سعود مقاليد الحكم، أخذ يجهز مجتمعه ومدينته للانتقال من سمات دولة المدينة إلى مدينة الدولة. وكان أن تحقق ذلك في مدة وجيزة، فما توفي يرحمه الله عام 1179هـ/1765م، إلا وقد باتت أرجاء نجد كاملة وشرق الجزيرة وشمالها تحت حكمه، وفي ظل دولة مركزية واحدة.

لقد تمكن الإمام محمد بن سعود من تأسيس دولة مركزية، من بعد قرون طويلة من الشتات عاشته الجزيرة العربية، جراء انتقال عاصمة الخلافة منها إلى العراق ثم الشام ورجوعا إلى العراق بعد ذلك، وصارت أقاليم الجزيرة مقسمة بين مختلف الدول المركزية والولايات العثمانية، وهو ما انعكس سلبا على إنسان ومجتمع الجزيرة العربية بوجه عام.

على أن ذلك قد تغير بمجرد ظهور شخصية قائدة، امتلكت همة عالية لتوحيد شتات أبناء هذه الأرض العربية المباركة، وهو ما يفسر انضمام كثير من أبناء القبائل المحاربين في نجد أولا، ثم في باقي أرجاء الجزيرة العربية على مختلف انتماءاتهم القبلية، إلى سلطته وإمرته، ليكونوا جنودا مخلصين في سبيل تأسيس مشروع الدولة الذي أراد تحقيقه الإمام محمد وأبناؤه من بعده.

ويؤكد هذا الولاء لمشروع الدولة ووحدتها في ذهن إنسان ومجتمع الجزيرة العربية حضرا وبدوا، حالة الاستمرار في دعم أئمة الدولة السعودية خلال الحقبة الثانية من حكم الدولة، ومع عودة الملك عبدالعزيز الذي أسس مشروع الدولة الحديثة التي ننعم بكنفها اليوم، في ظل رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقيادة ولي عهده رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان يحفظهما الله. وكفى بذلك مكسبا نحافظ عليه، ونزيد من متانته في أذهان أبنائنا.

zash113@