فهد عبدالله

فرق الإمكانات والمواهب

الخميس - 05 يناير 2023

Thu - 05 Jan 2023

أتفهم كثيرا العبارة التي تتردد في فرق الإمكانات والمواهب التي استودعها الله في البشر، والتي تمايزهم في القوة والتوجه والعطاء، وهذا أمر محسوس يستطيع المتابع بكل بساطة أن يرد كل أسباب التقدم والتقهقر سواء على المستوى الفردي أو الجماعي إليه. السؤال هنا هل صحيح على الإطلاق التقدم والتأخر وكل ما يرادفها من معان في جميع المجالات مردها إلى الضعف أو القوة التي عند الإنسان والمرتبطة بفرق الإمكانات والمواهب؟

في الحقيقة يثيرني الفضول كثيرا للتأمل في هذا السؤال ومحاولة لملمة بعض الإجابات حوله لعشرات المشاهد والحالات التي يمر بريقها في شاشة الذكريات لدي والتي تراكم الإجابة بأن القوة والضعف هما سبب جذري للتقدم والتراجع، ولكن الأكثر وضوحا لدي من هذه التراكمات أن القوة والضعف ليسا متعلقين بفروقات الإمكانات والمواهب بين البشر، وإنما مرتبطان ارتباطا وثيقا بثلاثة مكونات رئيسة:

أولا: معرفة الذات أو الوعي الذاتي.

ثانيا: معرفة التوجهات الحياتية والمستقبلية المناسبة والتي تمكن الإنسان من أسباب القوة والتقدم،

وثالثا: الإرادة المستمرة التي لا تهدأ.

وما تأملت أسباب القوة والضعف في السير المرئية التي نشاهدها بأعيننا أو تنامت لدينا من الماضي إلا كانت هذه الثلاثة مكونات موجودة وحاضرة بامتياز وتؤكد مسألة الثلاث المكونات الرئيسة وارتباطها بالتقدم أو التأخر.

عندما نتأمل سير الصحابة الكرام وسير الناجحين من بعدهم إلى يومنا هذا ستجد في ثنايا هذه السير شيئا من معرفة الذات وشيئا من مناسبة التوجهات وأشياء كثيرة من الإرادة المستمرة، من الآثار الملهمة التي ذكرها أبو ذر الغفاري عندما قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ألا تستعملني؟ قال: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها» كان ضعيفا في ذلك الجانب ولكن كان قويا في جوانب أخرى، فأبو ذر الذي أتى بغفار كلها، من أوائل من أسلم من الصحابة، ومع ذلك يقول له الرسول إنك ضعيف في هذا الجانب وكأنها رؤية فريدة تنير الطريق حول مسألة الوعي الذاتي والاختيارات والتوجهات، وكأنها صيحة للوعي الذاتي والتخصصية وتأكيد لمعنى القوة النوعية المختلفة التي في دواخلنا.

وغيره الكثير من الصحابة الأفذاذ الذين عرفوا ما برعوا فيه واستمروا عليه وقدموا فيه الإضافات الخالدة.

لذلك أعتقد بأنه ليس هناك إنسان بإمكانيات أقل أو مواهب محدودة، وإنما هي تدور حول مدى الوعي الذاتي الذي يحتوينا كما وكيفا الذي يمكن من خلاله تفعيل القوى الذاتية الكامنة واستبصار نجاعة المستقبل وإلهام الداخل لمزيد من الاستمرار في العطاءات والإضافات النوعية.

بعض الأحيان قد تسمع هنا وهناك عن بعض الأفكار الدارجة التي تكرس مفهوم الهوان أو التقليل من حجم الذات والأثر الذي قد تحدثه كناية عن قلة ما في اليد من حيلة أو الظروف من تذهب بنا يمنة ويسرة أو نوع من الكسل الفكري المتوارث من البيئة المحيطة الذي يجعل من المرء وسلوكياته تتجه نحو الانكفاء على الذات وتكبيلها بأسوار وهمية لربما بحاجة لعشرات التراكمات الإيجابية الذهنية لزحزحة تلك الأغلال والتحرر منها، والله سبحانه وتعالى ذكر ذلك في كتابه الكريم (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم)، ما يتنامى لديك من أسباب في داخل النفس ويتوج بالاستقرار فيها سيكون هو مآل الأمر لما يحدث في الخارج .

أسباب التقدم والتأخر والقوة والضعف لم تكن تعليلاتها البارزة مرتبطة بالمواهب والإمكانات، وإنما تتناغم في المجمل مع معرفة الذات ومكامن قوتها وخياراتها والإرادة الملتهبة المستمرة. والله أعلم.

fahdabdullahz@