عمر العمري

الجامعات تزيد الألم ولا تواكب طموحات الشباب

الأربعاء - 21 ديسمبر 2022

Wed - 21 Dec 2022

من المؤلم أن يشعر الطالب أثناء دراسته في أحد التخصصات النظرية في الجامعة أو غيرها أن تخصصه غير مطلوب في سوق العمل ولا يكسبه الحد الأدنى من المهارات الضرورية للدخول فيه، ومن المبكي بل يقتل ما بقي من الطموح فضلا على أن يبقي بصيصا من الأمل لما يؤكد أعضاء هيئة التدريس في هذه التخصصات ذلك لطلابهم بنقد لاذع، فيردون بأرواحهم إلى مثواها الأخير ويصبحون أجساما خاوية يواجهون قدرهم المحتوم، أين الرحمة يا هؤلاء؟!

الجامعات بكل أسف في بعض تخصصاتها وبرامجها والتي تقبل أعدادا كبيرة من الطلاب في مرحلة البكالوريوس لا تواكب ما تعيشه المملكة ورؤيتها الطموحة «2030» من إنجازات متسارعة وطموحات كبيرة وثورة اقتصادية متزايدة ومشاريع وطنية عملاقة وواعدة ستخلق وظائف نوعية وأدوارا تنفيذية تحتاج إلى إمكانات متقدمة لإدارتها، ودخول كبير للشركات العالمية فضلا عن الشركات والمؤسسات الناشئة في سوق العمل وريادة الأعمال وحاجة الجميع إلى كوادر وطنية مؤهلة وقادرة على قيادتها والعمل فيها بكفاءة عالية، وما زالت الجامعات تعيش في عزلة عن حركة المجتمع المحلية، والمجتمع الإنساني وقضاياه عامة، وترفض مواكبة التطورات الحديثة أو محاولة معالجة ما لديها من قصور أو الخروج من عملية التدريس التقليدية واقتصارها فقط على تدريس التراث، والأطر النظرية والمصطلحات القديمة، وقصائد العصر الجاهلي، والعيش على أمجاد الأمم السابقة قبل العصر الميلادي دون النظر لحاجات أبنائها الشباب الحالية ومتطلباتهم المستقبلية المهنية والوظيفية وعرقلتهم بالتعالي أثناء رغبتهم في إكمال الدراسات العليا، «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ» سورة الزخرف: 22.

أثبتت الدراسات العلمية أن بطالة خريجي الجامعات أشد أنواع البطالة تأثيرا وخطرا ولعل مرجع ذلك إلى أنها تشير إلى حالة من عدم الموائمة بين سياسات التنمية والاستثمار من جهة وبين السياسات التعليمية والجامعية، التي تسببت فيها ومن جهة أخرى يترتب عليها إهدار للجهد والموارد بشكل فادح يمتد آثارها ليس فقط على العملية التعليمية وإنما أيضا إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ويولد القلق عند الشباب إزاء المستقبل وتمكن الاكتئاب منهم نتيجة الفشل في الحياة العملية وقد يمتد للحياة الزوجية ويدفعهم إلى طريق الانحراف أو الإدمان في محاولة للهروب من الواقع إلى عالم الخيال.

الجامعات تحتاج إلى إرادة عليا قوية تقود التغير وتعدل من واقعها وتنقض الشباب منها، وتجابه المقاومة الشديدة من أعضاء هيئة التدريس والقيادات فيها تجاه التطوير والتحديث، وإزاحتهم عن المشهد القيادي أو الإداري من يردد مقولة: «إن الجامعات لا تلاحق سوق العمل؛ لأنه متغير ونحن ندرس العلوم والمعارف الأصيلة والتراثية فقط في مجال معين ومحدد، وعلى الطالب أن يكمل عملية التطوير بنفسه، والجيد يدبر نفسه، والزين زين لو قام من النوم.. والشين شين لو غسل بصابون! وجمل فلسفية للهروب مع أقرب مخرج»، وإذا غلبت الروم وتعالت الأصوات للتطوير قاموا بإضافة بعض المقررات وحذف بعضها مع دمج مهارة أو مهارتين وذلك لا يعتبر تطوير حقيقي للبرنامج، والغريب ملاحقة الجامعات للتصنيفات العالمية أو الحصول على الاعتماد المؤسسي أو البرامجي وفق معايير لا يختص الطالب منها إلى 10% حتى 30% في أفضل حاليتها والباقي يعود على الأدوار الأخرى للجامعة أو ما تحققه من نشر أبحاث ودراسات علمية بجهود فردية أو ذاتية أو ما تحصل عليه من جوائز عالمية وجودة المرافق لديها وغيرها دون أثر واضح على الطالب.

أعتقد الألم أصبح كبيرا والاستمرار في هذا الوضع يزيد من نسب البطالة لدينا وخاصة في خريجي الجامعات ويصطدمون بالواقع الذي يحتاج أكثر مما كانوا يعتقدون، ويزيد من صعوبة التحاقهم بالوظائف المستقبلية التي ارتفع فيها سقف المهارات والقدرات التي تتطلبها، وبدأ الطلاب الحاليون يستشعرون ذلك ويستشرفون المستقبل ويقارنونه فيما يتعلمونه وما ويحتاجونه في الحقيقة للوظائف القادمة في غفلة أو تجاهل الجامعات عن تطوير أو خلق برامج تواكب نوعية هذا الوظائف ومتطلباتها.

من المفارقات الغريبة أن الجامعات تتبنى نص الحقيقة وتخفي النص الآخر مع إبراز مدارس فسلفية كلاسيكية وإخفاء أخرى ومهنا ما توصل إليه خبراء في علم الاجتماع والاقتصاد بعد جدال طويل أن دور التعليم ينتقل من كونه عاملا خارجيا في النمو الاقتصادي إلى اعتباره عاملا من العوامل المباشرة التي تدخل في عملية الإنتاج وتؤثر تأثيرا مباشرا في النمو الاقتصادي، وجعل المؤسسات التعليمية متجانسة ومتسقة بكفاءة وفاعلية أكبر لإعداد الفرد للحياة الاجتماعية والعملية (سوق العمل) وفق متطلباتهم الحالية والمستقبلية وأن الإنتاج القومي أرتفع بنسب جيدة نتيجة للتحسين المستمر في العوامل البشرية وأثرها في الإنتاج.

أصبح من الضرورة أن يكون هناك ثورة خلاقة وتغير جذري وإرادة قوية في تعديل البرامج التقليدية الحالية لدينا إلى خلق برامج جامعية ذكية ومرنة تواكب سوق العمل وتغيراته ووظائف المستقبل ومستجداته يتخرج منها الطالب بتخصصين رئيسين أو أكثر مع إتقانه مجالات فرعية أخرى في اللغات وبرامج الحاسب الآلي وتقنياته وغيرها، وسجل مهاري شامل في أنواع التفكير والمهارات الشخصية والاجتماعية وكيفية التعامل مع بيئات العمل وحزمة متكاملة من النشاطات الثقافية والفنية والرياضية فالعقل السليم في الجسم السليم، مع دعم مراكز الإرشاد المهني فيها (بكوادر، وسياسات وإجراءات، وتطوير منسوبيها) ونشر ثقافة ريادة الإعمال ورفع كفاءة وحدات دعم التوظيف وطريقة تواصلهم مع القطاعات المختلفة الحكومية والأهلية بطريقة تعاونية تبادلية تعود بالنفع على الطالب الجامعي.

@3OMRAL3MRI