سالم حميدان

الإدارة النرجسية والقائد الأفضل

الأحد - 11 ديسمبر 2022

Sun - 11 Dec 2022

طرح في مقالات سابقة بعض الأنماط الإدارية التي استقرأها الفكر الإداري ضمن مراجعاته، وكان جليا ارتباط كل نمط وتأثره تبعا لسمات قائده. ومن خلال الأسطر التالية سنعرج على نهج إداري آخر يستحق الفحص والتدقيق لطغيانه على سلوكيات الكثير من المدراء في المنظمات، ألا وهو نهج الإدارة النرجسية. والنرجسية Narcissistic هي: الاهتمام الاستثنائي للشخص بذاته والإعجاب بها خاصة المظهر الجسدي، وبتعبير آخر هي: اهتمام الفرد المفرط أو المثير وتقديره لذاته، أي الإفراط في حب الذات من خلال تضخيم الفرد لأهميته؛ معارفه وقدراته ومهاراته.

ووفق تأكيد للمهتمين من علماء النفس والسلوك، تعد النرجسية تركيبا سلوكيا ونفسيا معقدا قد يصل إلى حد المرض. وتأتي بمعنى حب النفس والأنانية الطاغية، التي تترجم اضطرابا صارخا في الشخصية، تجعلها تتميز بالغرور، والتعالي، والشعور بالأهمية ومحاولة الكسب ولو على حساب المبادئ والآخرين.

ووفقا لنظرية عالم النفس فرويد يمكن إجمال القول في تفرد الشخص النرجسي بالغيرة من الآخرين، ومعاملتهم بتعجرف، مع حساسية مفرطة تجاه آرائهم، وعدم تقبلها، بالإضافة إلى السخرية منها، حيث يمتلك صاحبها شعورا متضخما بذاته وأهميته، ويستحوذ على صاحب النرجسية وهم النجاح، والتألق المبالغ فيه. ووصف الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في نسخته الخامسة النرجسية على أنها اضطراب نفسي. والملاحظ على هذه الحالة السلوكية والنفسية كما يشير علماء النفس الاجتماعي وخبراء الصحة العقلية على أن النرجسية أضحت مرضا أكثر انتشارا ووضوحا اليوم في الحياة اليومية للمجتمعات المدنية في العالم كله.

لأن القيادة هي فن التأثير الإيجابي على الآخرين، فقد أبرز الفكر الإداري مصطلحا لنمط قيادي يتزايد انتشاره في إدارات منظمات الأعمال اليوم وهو: الإدارة النرجسية. أو Narcissistic Leadership وهي نهج إداري قائم على أساس اهتمام القائد بذاته؛ أي تمحور الأولوية حوله، وبالضرورة التبعية سيكون ذلك على حساب المرؤوسين.

وفي هذا النهج يمارس القائد النرجسي نشاطه الإداري والقيادي بتعال وفوقية، متدثرا بالعناد والاهتمام الزائد بذاته، واتباع مصالحه ورغباته من الوظيفة، مركزا نشاطه على الغطرسة والهيمنة والعدائية ضد أغلب العاملين معه في المنظمة.

يتوهم القائد النرجسي بأن دوره استثنائي في إدارة المنظمة وكل الفضل يعود إليه، وفي الحقيقة إدارته كانت وما زالت مدفوعة بسلوك قائدها المعبر عن الغطرسة والتعنت، وحب الذات، والمصالح الشخصية للحصول على النفوذ والإعجاب، ينعكس ذلك في إهمال وتعطيل معظم الأعمال وهدر الكثير من الوقت والجهود واتباع الروتين، واللامبالاة، والتغطرس، وصنع بيئة عمل أقل ما توصف به أنها سامّة تكون سببا في انهيار منظمات الأعمال في العالم.

ولنا عبرة في اندثار شركة كوداك تبعا لتعنت إدارتها النرجسية في عدم قبول الاختراع الثوري المتمثل في الكاميرات الرقمية والانتقال إلى التصوير الالكتروني. وفي نفس الوقت من ناحية أخرى تلقفت هذا الابتكار بعض الشركات وانتعشت ونمت في سوق الكاميرات والتصوير الالكتروني.

وكذلك لنا أسوة في بنك (Lehman Brothers) حين خطت نرجسية المدير التنفيذي للبنك متمثلة في إصراره على البقاء في منصبه وعدم تغيير سياسة البنك وثيقة انهيار البنك وخروجه من السوق، رغم أن مؤشرات الانهيار كانت تتوالى واضحة، إلا أنه رفض «متنرجسا» كل النصائح لتحسين أوضاع البنك وإعادته للطريق الصحيح.

يتنقل الشخص النرجسي بحسب الأوضاع المتاحة له والظروف بين استراتيجيات أربع منها: الطاووس المهووس بحب العظمة (يا أرض انهدي ما عليك قدي)، والثعلب الماكر؛ الذي لا يتورع عن الكذب والسرقة والسلوكيات غير الأخلاقية. والحرباء المتلونة؛ التي تشعرك بظاهر مخالف تماما لما تنطوي عليه نفسها مع إلقاء اللائمة على الآخرين.

وآخرها، قائد الذئاب الذي يقدم قليل المدح للجماعة ويستأثر بمعظمه.

تظهر نرجسية القائد في سمات زرعها تكرار السلوكيات لتصبح عادات، تأكدت لتتحول لسمات نختصرها فيما يأتي: يحب القائد النرجسي أن يكون محط أنظار من حوله، ويسعى بكل الطرق لجذب اهتمامهم. ويعامل الناس بطريقة فوقية وعنصرية فلا نجد له علاقات اجتماعية طويلة المدى مع أي أحد. ومن سمات النرجسي استغلال الآخرين كجزء من شخصيته، لا يعاشر أحدا إلا لغاية أو مصلحة يرجوها هو؛ ليس بالضرورة المصلحة المادية. وحبه لنفسه يفوق الوصف، لذا تجده لا يهتم بمشاعر وأحاسيس من حوله ولا يتورع عن الإساءة لهم بالفعل والكلام الجارح.

ويستغل كل الفرص للسخرية من الآخرين بلغة الجسد كحركات العينين والفم والأصوات الغريبة كالضحك الساخر والردود القبيحة.

وفي كل المناسبات تجده يسعى للمفاخرة بمعرفته وأعماله وإنجازاته العظيمة في نظره ويقارنها بضآلة معرفة الآخرين وإنجازاتهم الضعيفة. كما أنه يدعي المعرفة الكاملة في كل شيء، وأنه صاحب ثقافة واسعة، لذا يجب على من حوله موافقته والأخذ برأيه في كل شيء. ومن الدواهي في هذه السمات تمسكه بأفكاره وآرائه؛ فمن المستحيل أن يعترف بخطئه مهما كان الخطأ صغيرا أو كبيرا.

تظهر المراقبة الواعية لسلوكيات القيادة مؤشرات سلوكية إن وجدت فاعلم بأن النرجسية ثوب القيادة الإدارية في منظمتك منها: التواصل العدواني السيئ؛ الغضب والصراخ وتوبيخ الآخرين. كما أن وجود القائد النرجسي يقترن بإثارة الفوضى والمنازعات ويعتبر هو ذلك دليل قوته. فإن وجدته يوحي لك بسحره وجاذبيته أنك مميز لديه طمع في حصوله على شيء ما يريده منك، فاحذر لأنه إذا وجد من يلبي حاجته غيرك رمى بك دون مبالاة. فإذا وصف من أدخلهم دائرته بأنهم مجموعة الصفوة ويكافئهم أحيانا طالما هم في خدمته وتحت لوائه فاعلم بأنه يغط في نرجسيته. وإن لم تكن من الصفوة فلا شيء تقوله أو تفعله يستجلب رضاه، وسيكون اللوم ملقى عليك والذنب ذنبك.

الآن وبعد أن تعرفنا على استراتيجيات الشخصية النرجسية وسماتها وما تفرزه من سلوكيات تلقي بظلامها على المناخ التنظيمي في المنظمات، وتفسد العلاقات، وتربك عمليات المنظمة، وتزيد من معاناة العاملين، وتضعهم تحت ضغط الإجهاد المستمر في الجانب العملي والنفسي. وجب علينا تلمس الطريق نحو الضوء في الطرف الآخر من النفق: لنبحث كيفية التعامل مع هذا النمط القيادي المرهق للعاملين المدمر للمنظمات. ومن الممكن تلخيصها في الاتجاهات الآتية:

1 - اتجاه تقبل القائد النرجسي؛ في أغلب الأحيان يكون العمل مع القائد النرجسي محبطا مربكا مرهقا، لذلك من المهم محاولة وضع حدود شخصية في التعامل معه عن طريق أولا: عدم إهدار جهدك ووقتك في عمليات تفاوضية معه، فلست الشخص الفريد الذي يستطيع تحقيق ما عجز عنه الجميع. وثانيا: من المفيد اتباع نصائح خبراء الصحة النفسية لإرشادك لمنهجيات الابتعاد عن القائد النرجسي، ويمنحك ذلك الوعي بالأمور التي من الممكن حدوثها، وأكثر من ذلك تكون على دراية بالسلوكيات التي يمكنك تقبلها والسلوكيات التي لن تتحملها. من النافع مراقبة طرق التواصل التي يستخدمها القائد ومحاكاة ما هو مقبول منها ويعود عليك بالحماية والنفع. كما يمكنك إشباع نهم القائد النرجسي في مدحه بصدق من خلال طرق تشعرك بالارتياح – مدحه بما هو فيه فعلا دون تملق -، وأخيرا تعلم استراتيجية الابتعاد عن مركز الضوء؛ دعهم يتمتعوا بتلقي المديح الذي تستحق أنت جزءا منه.

2 - اتجاه التخلص من العمل مع القائد النرجسي؛ عند احتدام الأمر وشدة التوتر بينك وبين القائد النرجسي ولسلامتك النفسية عليك أولا: التأكد من إمكانية الحديث ومشاركة نقاشاتك وحواراتك التي دارت بينك وبين القائد النرجسي مع متخصص نفسي أو صديق مقرب تثق في رجاحة عقله وموضوعية تفكيره وتلقي النصح والإرشاد منهم. ثانيا: عليك بتوثيق مناقشاتك مع القائد النرجسي بالمكان والزمان. ثالثا: تقليل مرات التواصل والتفاعل معه لأقل قدر ممكن لحماية نفسك والمحافظة على ثقتك بذاتك. رابعا: وضع خطة انسحاب لإنهاء العمل مع هذا القائد النرجسي.

الأمر الأكثر أهمية؛ لا تشعر بالهزيمة عند اختيار منحى الانسحاب كحل أمثل وخصوصا على المدى الطويل. أعد ترتيب أوراقك وراجع تقييمك لقدراتك وخبراتك فأنت تستحق الأفضل.

Humaidan_Salem@