طلال الحربي

تفتيت باكستان

الأحد - 13 نوفمبر 2022

Sun - 13 Nov 2022

بينما العالم يحاول لم شتاته في أجواء التحولات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، تنشغل باكستان في أزمتها الداخلية بعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء السابق عمران خان واتهامه الحكومة بالوقوف وراءها.

وقد جاءت هذه الأزمة لتضاف إلى الثقل الهائل لمعاناة الشعب الباكستاني الذي ينتظر حلولا لمشكلاته المعيشية بدلا من هذا الصراع المميت على المناصب السياسية.

منذ انفصالها عن شبه القارة الهندية وإعلان استقلالها في 1947، نادرا ما شهدت باكستان فترات استقرار سياسي، فهذه الأرض الطاهرة عانت، وما تزال، من مشكلات لا تنتهي تتداخل فيها العوامل الدينية والعرقية والحسابات الداخلية والخارجية.

لقد كان من المؤمل أن يكون انفصال باكستان، الذي حمل معه مآس إنسانية لا توصف، فرصة ليشعر فيها أتباع الدين الإسلامي بالأمان بعدما جرى تجميعهم من أطراف القارة الهندية المترامية، لكن ما يؤسف له أن من تولوا مسؤولية هذه البلاد منذ استقلالها، باستثناء فترة حكم محمد علي جناح القصيرة، أغرقوا هذه البلاد في دوامة من الصراعات التي لا تنتهي.

وفي الوقت الذي قطعت فيه الهند أشواطا طويلة في ميادين كثيرة، على الرغم من سيطرة الطائفة الهندوسية بفكرها الإقصائي المتخلف، نجد أن باكستان قد انكفأت على نفسها، ولم يتفق العقلاء فيها على استراتيجية لإنقاذ بلدهم من التردي الاقتصادي والتفكك الاجتماعي والجهل الديني.

وربما يكون السبب في ذلك هو أن معظم الرؤساء الذين تولوا شؤون البلاد كانوا من ذوي الخلفيات العسكرية، كما استولى ثلاثة منهم على السلطة من خلال انقلابات عسكرية لم تزد البلاد إلا تخلفا وقمعا للحريات، في الوقت الذي لم نشاهد ذلك في الهند على الرغم من المذابح الطائفية بحق المسلمين ورفضها منح شعب كشمير المسلم حق تقرير المصير.

لكن هذا لا يعني أن باكستان لم تحقق إنجازات عظيمة ومنها امتلاك السلاح النووي.

صحيح أن باكستان فقدت الكثير من قدراتها ومواردها في الحروب مع الهند، وانفصال بنجلاديش عنها في 1971م، لكن هذا لا يعفي الأحزاب السياسية ومراكز القوى فيها من تحمل مسؤولية إبعاد الجيش عن التدخل في السياسة وضرورة تغليب المصلحة العليا عن المصالح الشخصية والحزبية الضيقة.

كنا نأمل بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتراجع الضغوطات الأمريكية، أن يلتفت السياسيون إلى وضع حلول للمشكلات الاقتصادية والاهتمام بالبنية التحتية التي كشفت هشاشتها الفيضانات الأخيرة، لكننا تفاجأنا بانفجار الصراعات السياسية على أقوى ما تكون وهي صراعات يكون الشعب ضحيتها الأول والأخير، ولن تؤدي إلى دفع ديون باكستان الخارجية التي تقارب نحو 130 مليار دولار، فالعالم لن يساعد بلدا لا يتوقف عن الاقتتال الداخلي.

وإذا كان السياسيون مصممين على الذهاب في حرب الثارات والانتقام إلى أبعد مدياتها، فإن على الأحزاب الإسلامية أن لا تغذي هذه الصراعات وإلا فإنها أبعد ما تكون عن روح الإسلام الحقيقي.

لقد عانت باكستان منذ استقلالها من موجة اغتيالات كثيرة بدأت باغتيال رئيس الوزراء لياقت علي خان في 1951م، ثم اغتيال بي نظير بوتو في 2007م، وكنا نرجو أن تكون الضحية الأخيرة.

لكن محاولة اغتيال عمران خان التي أدانتها حكومة المملكة، ومسيرات الزحف على العاصمة إسلام آباد، تجعلنا نتخوف من المصير الذي ينتظر هذا البلد المسلم متعدد الطوائف والأديان والعرقيات التي قد تستغلها أطراف خارجية لإغراق البلاد في صراعات داخلية قد تؤدي إلى تفتيته وهذا ما لا يتمناه أحد إلا أعداء باكستان.