فهد عبدالله

العودة إلى نقطة الصفر المؤسسية

الأربعاء - 09 نوفمبر 2022

Wed - 09 Nov 2022

في أحد المواقف التي قد تمر علينا جميعا عندما تعمل مثلا على إنجاز تصميم معين أو نص كتابي أو مشروع جامعي وغيرها، وعند آخر خطوة تجد أنك لم تحفظ الملف أو عملت مجهودا كبيرا في الطريق الخطأ، شيء من الحسرة سيحدث في داخلك بأن تلك المجهودات أودت بك إلى العودة إلى نقطة الصفر، وبعدها ستتحرك لديك مفاهيم كيف لي ألا أقع مرة أخرى في ذلك الخطأ العنيد مجددا.

والحقيقة المرة أن هذه الحسرات ستكون أكثر كما ونوعا عندما يكون العمل ذا صبغة جماعية أو مؤسسية ويعود مثلا بتلك المنظمة إلى الوراء أو نقطة الصفر سواء في بنائها وموجوداتها القديمة أو تباطؤ حركتها رغم تسارعها القديم.

من خلال التجارب والاطلاع والاحتكاك بعدد من الأخوة الزملاء في منظمات وشركات عدة، تحركت لدي مفاهيم حول كيف يمكن للمنظمات والمؤسسات ألا تقع في مصيدة العودة إلى نقطة الصفر وتتجرع الحسرات في مؤشرات أدائها وتوجهاتها التنموية والنهضوية، وسأذكر هنا عشرة من أهم تلك المفاهيم:

1 - التوجهات السرابية فيما يتعلق بالأهداف العليا والاستراتيجيات، عندما تسعى تلك المنظمة العطشة إلى ذلك الماء في نهاية الطريق سترى سرابا آخر تظن أنه هو الماء مرة أخرى، وستظل في حالة ركض مستمر من سراب إلى آخر، وعدم الوقوع في هذا الخطأ العنيد يكمن في تجويد تلك الأهداف العليا والاستراتيجيات أو على الأقل التوقف عند أول محطة سراب وتصحيح المسارات بنهج صادق تجاه المياه الحقيقية.

2 - على الجانب التكتيكي يكون التركيز على الإنتاجية غير الموجهة والمرتبطة بالاستراتيجيات الصحيحة، وهذا نوع من الهدر الذهني والبدني والزمني والمالي وقد يكون في كثير من الأحيان بشكل لا واع ولكن في حقيقته أن المنظمة تراوح المكان وفي أحسن أحوالها فإنها تتحرك ببطء يثقل كاهل المنظمة أو كما عبر عنها بيتر دراكر (لا شيء أكثر انعداما للجدوى من الإنجاز الجيد لأمر ليس بحاجة إلى أن ينجز أصلا).

3 - الشخص المناسب في المكان المناسب وخاصة فيما يتعلق بالمسؤوليات القيادية، إذا صلحت القيادات صلح جسد المنظمة كله.

وبقليل من التأملات نحو الأسباب الجذرية لكثير من الإخفاقات والعودة إلى نقطة الصفر المؤسسية بالتأكيد ستجد في ثنايا تلك الأسباب بأن هناك اعتلالا في قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب وإسناد الأمر لغير أهله، وليس في ذلك شيء من المبالغة عندما نردد بأن الخطر رقم واحد في سجل المخاطر المؤسسية والذي عادة قد ينطق ولا يكتب هو ما يتعلق بالموارد البشرية.

4 - العين المجهرية على الأحداث الخاطئة والسلبية والنظرات الخاطفة للأحداث الصحيحة والإيجابية، بالتأكيد من نتائج هذه الرؤية غير الحيادية الكثير من القرارات الخاطئة فضلا عن أثرها المتعدي والغائر في المنظمة الذي ستشيع فيه أجواء «التسليك» كما نعبر عنها في لهجتنا الدارجة أو التصنع والمظاهر الخادعة.

5 - عندما تطغى أو تقدم المصالح الشخصية على مصالح المنظمة، الإشكال هنا عندما تتوارى مصلحة الشخص بهندام المنظمة بغض النظر عن مناسبة هندام المنظمة وتوافقه مع إحداثيات سير المؤسسة الاستراتيجي الذي يقدمها ولا يؤخرها، لذلك كانت الأمانة والكفاءة هي الشرطان الثابتان وماعداهما متغير تجاه معطيات المسؤوليات والواجبات.

6 - مضيعة الوقت التي قد تحدث عندما تكون الأولويات غير واضحة أو غير مرتبة وهذا في كثير من الأحيان يقود إلى الخطأ الشائع في عالم الإدارة (multitasking) وهو القيام بأدوار عدة خارج نطاق عمل المسؤوليات وفي كثير من الأحيان يظن صاحبها بأنه يصنع قيمة مضافة بينما الحقيقة هي ضياع الأوقات، بالإضافة لمعطيات عدم الثقة بالآخرين والتفويض الواثق للعاملين المخلصين.

7 - (قد يوجد في الأنهار ما لا يوجد في البحار) وهي كناية عن أخذ المشورة وعدم التفرد بالرأي، مهما كانت الخبرة الشخصية والموثوقية العالية تجاه الذات لا تغني عن التواصل التشاوري مع أهل الرأي والاختصاص ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في ذلك اليوم المليء بالأحداث الضخمة والطارئة في غزوة بدر عندما جاءه جندي بسيط اسمه الحباب بن المنذر، فقال له: يا رسول الله، أهذا منزل أنزلكه الله، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال (بل هو الرأي والحرب والمكيدة)، قال الحباب: ليس هذا بمنزل، الرأي عندي أن ننزل بأدنى ماء من بدر، ونغور ما وراءها من الماء. فقال صلى الله عليه وسلم (أشرت بالرأي)، وتحول إلى الموضع الذي ذكره الحباب.

8 - الاهتمام بالإنتاجية على حساب العاملين، لا يمكن للقائد أن يحلق في سماء المنظمة دون جناحي الإنتاجية الموجهة والعلاقات الطيبة مع العاملين، رغم أن الاستثمار العلاقاتي مع العاملين هو بوابة الإنتاجية الموجهة، ارجع وتأمل كثيرا من تجارب الناجحين ستجدهم لم يحلقوا إلا بواسطة جناحي الإنتاجية والعلاقات.

9 - الانشغال التام بالأعمال اليومية والدورية على حساب المنهجيات المؤسسية التي تضمن استمرارية أعمال المؤسسة وجودتها بغض النظر عن بقاء أو اختلاف وتعاقب الأشخاص في المسؤوليات القيادية، عندما يكون هناك تغييرات جذرية كبيرة بمجرد وجود مسؤوليات وقيادات جديدة بالتأكيد سيكون التصور مشوشا عن ماهية العمل المؤسسي الذي لا يدوم باختلاف الأشخاص.

10- الاهتمام بالإنجازات السريعة (Quick Wins) فقط دون الاهتمام الشامل والمتراكم عبر الزمن، انظر يمنة ويسرة ستجد عشرات الأعمال والمبادرات بدأت وانتهت ولم تكن مخرجاتها فقط إلا تلك الإنجازات السريعة.

@fahdabdullahz