عبدالله قاسم العنزي

المسؤولية الناشئة عن رفع الدعاوى الكيدية

الأحد - 23 أكتوبر 2022

Sun - 23 Oct 2022

تعرف الدعاوى الكيدية نظاما بأنها الدعاوى الخالية من المصلحة المشروعة للمدعي والتي يقصد منها الإضرار بالغير أو بخصمه ليس إلا، حيث إن المرافعة أو الإجراءات التحقيقية في الدعاوى الكيدية تكون غير مستندة إلى سبب نظامي حقيقي وإنما فقط الهدف منها إيذاء المدعى عليه ماديا ونفسيا، وأن أسباب لجوء البعض لهذه الأساليب كثيرة إلا أنه يبقى السبب المهم هو ضعف الرادع الديني والأخلاقي لدى من يقيم دعوى كيدية بهدف الإضرار بالغير.

فإن النظام السعودي قد كفل للمتضرر من الدعاوى الكيدية حقوقه كونه قد نص على المسؤولية الجزائية عن هذا الفعل في المادة الـ3 من نظام المرافعات الشرعية والتي تنص في الفقرة (2) على أنه إن ظهر للمحكمة أن الدعوى صورية أو كيدية وجب عليها رفضها، ولها الحكم على من يثبت عليه ذلك بتعزير بحيث يقدر قاضي الموضوع حكم التعزيز الموافق لردعه وتعويض من أصابه الضرر، وقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم 94 في 25/4/1406 متضمنا الموافقة على قواعد الحد من آثار الشكاوى الكيدية والدعاوى الباطلة.

ومن زاوية أخرى فقد ارتبطت المسؤولية في الدعاوى الكيدية بنظرية التعسف في استعمال الحق، حيث إن من يرفع دعوى كيدية أمام القضاء يكون بذلك قد تعسف في استعمال حق التقاضي فتثار المسؤولية تجاهه عن التعسف في استعمال حق التقاضي، والذي نريد إضافته في هذا السياق أنه يصبح استعمال الحق غير جائز في الأحوال الآتية:

أولا: من قدم شكوى في قضية منتهية بحكم أو قرار يعلمه وأخفاه في شكواه فتجوز إحالته للمحكمة المختصة لتقرير تعزيره.

ثانيا: من اعترض على حكم أو قرار نهائي مكتسب القطعية من جهة الاختصاص وثبت لدى المحكمة أنه لم يقدم وقائع جديدة تستوجب إعادة النظر في الحكم أو القرار فيؤخذ التعهد اللازم في المرة الأولى بعدم الاعتراض على الحكم أو القرار، فإذا تكرر منه ذلك يحال إلى المحكمة المختصة للنظر في تعزيره.

ثالثا: من تقدم بدعوى خاصة وثبت للمحكمة كذب المدعي في دعواه فللقاضي أن ينظر في تعزيره.

وبذلك فإن استعمال أي حق من الحقوق يصبح استعمالا غير جائز إذا كان يقصد من ورائه الإضرار بالغير أو كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال لا تتناسب مع مقدار الضرر المتحقق منها أو إذا كانت مصالح غير مشروعة ومكذوبه من الأصل.

فحق التقاضي شأنه شأن باقي الحقوق تجب ممارسته وفقا لمحتواه شرعا ونظاما ووفقا للقواعد القانونية المنظمة له، ويشترط فيه أن تكون هناك مصلحة مشروعة من اللجوء إلى القضاء وأن عدم وجود مصلحة يعتبر قرينة على وجود نية الإضرار بالغير، لذلك يكون مصير الدعاوى الكيدية الرد لأن القاضي سيبحث ابتداء في شروط قبول الدعوى ومن أهمها المصلحة التي يجب أن تكون قانونية ومشروعة ومباشرة.

إن القضاء تصدى لهذه الدعاوى وأصبح القضاة متمكنين من الاستدلال على كيدية الدعاوى بسهولة من خلال ضعف الأدلة أو انعدامها وانعدام المصلحة أو من خلال تكرار المطالبة بحق ولمرات عدة رغم صدور قرار فاصل مكتسب القطعية، ورغم ذلك تبقى الدعاوى الكيدية تعكس جانبا سلبيا على المجتمع، وأن أفضل رد اعتبار لضحايا هذه الدعاوى هو نظرية التعسف في استعمال الحق التي ضمنت لهم المطالبة بالتعويض في حالة التعسف في استعمال أي حق في مواجهتهم وهي طلب المدعى عليه الحكم له بتعويض عن ضرر لحقه من الدعوى الأصلية أو إجراء فيها وجاء في اللائحة التنفيذية للنظام (80/1) ليكون هذا الإجراء وسيلة لاستيفاء الحق من المدعي الكاذب بطلب عارض يقدمه للقاضي.

فالفاصل بين الحق وبين إساءة استعماله هي نية الإضرار بالغير ، لاسيما وأن حق التقاضي شأنه شأن باقي الحقوق ليس حقا مطلقا بل مقيدا بوجود مصلحة جدية ومشروعة، ولا يجوز استعماله بهدف النكاية والمكيدة وعلى من يتعسف في استعماله أن يتحمل نتيجة فعله.

@expert_55