خضر عطاف المعيدي

ما لا تعرفه عن علم اللغويات Linguistics

الاحد - 23 أكتوبر 2022

Sun - 23 Oct 2022

يدور في فلك الكثير تساؤل عميق عن علم اللغويات بضم اللام (من اللغة) لا كما ينطقه البعض - اللَغويات - من اللغو والأدق من ذلك أن يطلق عليه «اللسانيات» كما ذكر الله تعالى في القرآن «بلسان عربي مبين» وهو علم عميق أيما عمق لا يمكن أن نسبر أغواره في هذه الأسطر، لكن لربما نعرج على خطوطه العريضة ومن ثم نكمل الحديث عنه في مقالات متسلسلة تنفرد بكل باب منه.

يظن البعض أن «اللسانيات» أو «اللغويات» - كما تواضع عليه البعض - هو علم يبحث في قواعد اللغة وهو الأمر الشائع بين الناس، لكن يخفى على الجميع أنه علم له أسس بحثية معملية وتجريبية وطبية تتجاوز مستوى اللغة المجرد.

فلعل علم مثل الأصوات Phonetics يعطي تصورا يسيرا عن ماهية «اللغويات»، فعلم الأصوات مثلا يدرس الجانب التشريحي للغة من حيث أعضاء النطق بدءا بالرئة كمضخة للهواء مرورا بالقصبة الهوائية منتهيا بالشفتين كآخر نقطة لإصدار الصوت.

ويدرس هذا العلم وخصوصا من خلال فروعه الثلاثة، وهيArticulatory Phonetics الصوتيات النطقية وAcoustics Phonetics علم خصائص الصوت و Auditory Phonetics الصوتيات السمعية، سمات الصوت ورحلته للدماغ.

فعلم مثل الصوتيات النطقية يتناول الانسجام ما بين أعضاء النطق والدماغ وتفاعلها وكذلك التوافق العضلي العصبي وفقا لإشارات الدماغ، بينما يهتم علم خصائص الصوت بالموجات الصوتية وكيفية انتقالها من فم المتحدث لأذن السامع ومدى تأثير المحيط في تشكلها ووضوحها ومدى طول الموجة وبساطتها وتركيبها ويتم كذلك تحليل امتدادها وكثافتها.. إلخ، من خلال برامج معملية معدة لذلك، في الجانب الآخر نجد أن الصوتيات السمعية تهتم برحلة الموجات الصوتية المجردة وكيفية انتقالها للأذن الخارجية مرورا بالوسطى ومن ثم للداخلية وكيفية معالجة هذه الموجات ليتم تحويلها الى إشارات كهربائية في الدماغ ومن ثم تتحول إلى أنماط لغوية وفقا للرسالة الموجهة.

والأمر الذي لا يدركه الجميع أن حتى عملية النطق عملية عقلية قبل أن تكون ديناميكية حركية وفق أعضاء النطق، ويعتمد النطق بالدرجة الأولى على الدماغ والإدراك وأي خلل في الإدراك يؤدي إلى خلل في النطق، ولعل أحدث الدراسات التي تثبت هذا الأمر ما أثبته العالم «ليفيز» في دراسة أجراها عام 2018م، حيث ذكر أن أي خلل في النطق إنما هو بسبب خلل في الإدراك وليس العكس.

بل ويذهب علم الأصوات بعيدا للكشف عن وقع الصوت في الدماغ واستجابة الدماغ لذلك، ويدرس هذا الأمر من خلال المنهج المعرفي Cognitive approach ووفق المنهج التجريبي Empirical studies من خلال إخضاع الدماغ للتصوير المقطعي وفق ما يسمى بالتصوير بالرنين المغناطيسي MRI.

بل ويذهب بك علم الأصوات للجريمة وفق علم يطلق عليه Forensic Phonetics وهو علم صوتيات جنائي يحلل من خلاله الخبراء رموزا معينة يستدل من خلالها على الجاني أثناء التحقيق، أو من خلال المهاتفات الصوتية، حيث دور تحليل الموجات الصوتية وبصمة الصوت Biometric الدقيقة التي يتبين من خلالها عمر الجاني وجنسه وتعليمه وعلاقته بالجريمة بل وجانبه النفسي ودوافعه وذلك وفق ما ينطق به.

يتبين من هذا الطرح الموجز أن علم «اللغويات» علم واسع وقد تطرقنا لطرف بحر واحد منه وهو «علم الأصوات» وهناك غيره من الأبحر كعلم وظائف الصوت Phonology وعلم الصرف Morphology وعلم النحو Syntax وعلم الدلالة Semntics وعلم توظيف المعاني Pragmatics وعلم تحليل الخطاب Discourse Analysis وعلم اللغة النفسي Psycholinguistics وعلم اللغة الاجتماعي Sociolinguistics وعلم اكتساب اللغة Language Acquisition وعلم الأسلوبية Stylistics وفقه اللغة Philology وعلم تاريخ اللغةHistorical Linguistics وعلم اللغة المقارن Comparative linguistics والترجمة Translation والقائمة تطول... ومن المؤسف جدا ألا نجد اهتماما بهذا العلم ونشره بين الناس، فكل ما يشاع بين الناس أن اللغويات تكمن في «اللغة الإنجليزية» كلفظ عام للتخصص بينما هي مجرد رأس الجبل الجليدي الظاهر.