محمد النفاعي

علمتني مهنتي

الاثنين - 17 أكتوبر 2022

Mon - 17 Oct 2022

ورد ذكر الأسودين في السنة النبوية، حيث ذكرهما الحديث النبوي الشريف عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت لعروة: ابن أختي «إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نارا»، فقلت يا خالة: ما كان يعيشكم؟ قالت: «الأسودان: التمر والماء».

وكما جاء في المصادر، يعود السبب لتسمية الأسودين بهذا الاسم إلى اللون الأسود الذي يتميز به التمر، حيث كان العرب قديما يطلقون على الشيئين المصاحبين لبعضهما البعض اسم الأشهر منهما.

لكن هل تساءلت يوما ما عزيزي القارئ، هل يمكن أن يكون هناك أسودان في علم الإدارة مثلا؟ الإجابة عن تساؤلك بالنسبة لي شخصيا هي: نعم، وهذا ما تعلمته في مهنتي والتي قد يوافق أو يختلف معي الكثير ممن مارسي علم الإدارة.

مستندا على ما ذكره ستيفن كوفي في كتابه «العادة الثامنة» عن عقلية الوفرة والتي من أهم مميزات هذه الشخصية أن صاحبها يحبذ مشاركة الناس التجارب والمعرفة بدون الخوف أو القلق من نجاح الآخرين لأن القمة بالنسبة له أنها تتسع للجميع، رأيت أن أدلو بدلوي في هذا الجانب.

لذا أرى أن الأسود الأول من القيادة الفاعلة ركيزته القرار. أتذكر ما قاله أحد المدراء عندما سئل عن أسباب نجاحه الوظيفي، بادر بالقول: لا يوجد سر أو معادلة صعبة، بجانب الاجتهاد والإخلاص في العمل، هناك أمر واحد دأبت على فعله والتمسك به، وأعتقد شخصيا أن له دورا فيما وصلت إليه حتى الآن، قال: ببساطة كنت أتعامل مع ما يردني من شؤون أو معاملات أو أي أمر من المرة الأولى قدر ما أستطيع إلى ذلك، يتم الأمر باتخاذ القرار، ولا أسوّف أو أتجنب مسؤوليتي المباشرة حيال هذا.

نعم هناك تمكين وهناك تفويض وهناك مشاورة مع من ترأس، ولكن كلها أمور تساعد في اتخاذ القرار، والمهم هنا هو اتخاذ القرار. يتابع بالقول: «أتعامل مع الورقة مرة واحدة فقط». فلنقس على ذلك البريد الالكتروني وغيره من الأمور الإدارية.

هذا المنهج يوفر لي الوقت والجهد للنظر للأمور الأكثر عمقا وذات الأبعاد الاستراتيجية، مما يجعلني أحد وأقيد من تشكل كرة الثلج ولا أسمح لها بالنمو. وقد قيل «ومعظم النار من مستصغر الشرر».

نختصر الأسود الأول كما جاء في قوله تعالى (فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)، سورة آل عمران – آية 159.

أما الأسود الثاني هو ما أطلقت عليه مسمى «استدامة الإدارة»، ما أعنيه هنا هو تأمين بيئة عمل تساعد على استمرارية وإنتاجية المنظومة. هذا المفهوم تبناه المرحوم غازي القصيبي وله مقولة مشهورة من كتابه «حياة في الإدارة» حيث قال «الإداري الناجح -على خلاف ما يتصور الناس- ليس هو الإداري الذي لا يمكن أن يستغني العمل عن وجوده لحظة واحدة، بل على النقيض من ذلك تماما، الإداري الناجح هو الذي يستطيع تنظيم الأمور على نحو لا تعود معه للعمل حاجة إلى وجوده». وهذا لا يتم إلا بتطبيق التمكين وهو إعطاء السلطة باتزان لا يخل بالمسؤوليات وضياعها. عرف مرديث وموريل في كتابهما «تمكين الموظفين» التمكين بما معناه أنه إعطاء سلطة وصلاحية لشخص ما ليتولى القيام بمسؤوليات أكبر وأوسع من خلال التدريب والثقة والدعم العاطفي. وحتى يكون التمكين مؤثرا وناجحا، يجب أن يتضمن ما يلي: تحديد المهمة وتزويد المعلومة، والالتزام، والدعم، وإعطاء الثقة والصلاحية لإزالة العقبات ثم المساءلة والمحاسبة لإنجاز المهمة.

على أية حال، أرى أن من يتبنى هذين الأسودين إن شاء الله ستجده وموظفيه يخرجون أفضل ما في جعبتهم لتحقيق أهداف واستراتيجية الإدارة داخل أي منظومة.

msnabq@