عبدالله مشرف المالكي

أين نحن من ثقافة النجاح؟

الاثنين - 10 أكتوبر 2022

Mon - 10 Oct 2022

أحب الفأل الحسن، وأحب المتفائلين، وأسعى للنجاح، وأحترم الناجحين. وأرى بعين المتابع الدقيق أنّ بلادنا تسير إلى نهضة شاملة، تتبعها ريادة في كلّ المجالات. وأسأل هل نملك كأفراد ثقافة النجاح اللازمة لهذا التحوّل القادم؟

قد يختلف تعريف كل منّا للمقصود من ثقافة النجاح؛ فقد يرى البعض أنّها تعني التزام الإنسان بسياسيات محددة في حياته، تساعده في تحقيق أهدافه. وقد يرى البعض الآخر أنها المفاهيم والمعتقدات التي تشكل منظومة قيم المرء. وربما يذهب فريق ثالث إلى أنها مجموع المعنيين معًا، وتشير إلى أفعال الشخص والتزامه بسلوكيات معينة بناء على مفاهيمه وقناعاته.

وأيًّا كانت الترجمة الذهنية لكلمة ثقافة النجاح في عقلك، فلنتعامل معها على أنّها بوصلتك الشخصية التي تدفعك لتكون أفضل مما أنت عليه، وتحفزك لتطوير بيئتك، وتلهمك لصناعة التغيير الإيجابي في حياتك.

دعنا نتناول المعنى بكلمات أسهل، ولنقل أن ثقافة النجاح تتلخص في الشعور الداخلي للشخص بأنّه لم يصل إلى قمّة الجبل بعد رغم كلّ نجاح حققه، والقناعة التامة أنّه ما يزال قادرًا على العطاء، والإيمان بأنّه لا حدود قصوى لقدراته.

أريدك الآن أن تسقط هذه المعاني على نفسك كفرد، وعلى أسرتك كلبنة صغيرة في المجتمع، وعلى وطنك الكبير.

هل تشعر بالامتلاء؟ هل ترى أنّه يكفينا ما حققناه من إنجازات ومشروعات؟ هل ترغب في استراحة تتخلص فيها من عبء صناعة المستقبل؟

إذا كانت إجاباتك بالإيجاب عن هذه الأسئلة السابقة، فيحزنني أن أخبرك أنّك لا تتحلى بثقافة النجاح، وأنّك تسير على خطى الخاملين، وأنّ بينك وبين ذوي الهمم مفازة واسعة.

لكل مجتمع ثقافة سائدة، هي التي تحكم الاتجاه العام لتصرفات الأفراد والمجموعات. وغالبًا ما يضرب المثل لهذا بالشعب الياباني وثقافة تقديس العمل، إذ يؤمن اليابانيون أن العمل قيمة في ذاته، فضلًا عن ضرورته لتوفير حياة كريمة أو وطن أفضل.

تقديس العمل تراث أصيل وحقيقي في اليابان، لم تنجح العولمة الحديثة في تغيره أو تبديله، حتى أن بعض استطلاعات الرأي أشارت إلى أن نحو 53% من اليابانيين لا يهتمون بإجازاتهم السنوية، وأنّ نسبة معتبرة من المواطنين تشعر بالذنب عند القيام بإجازة مدفوعة الأجر.

وقد كشفت إحدى الجرائد الكبرى هناك، أن واحدة من كلّ أربع شركات اعترفت بأن موظفيها كانوا يعملون ما بين 80-100 ساعة من العمل الإضافي شهريًا، وأن هذه الساعات الإضافية كانت في بعض الأحيان دون أجر!

لقد ورث الشبان في اليابان ثقافة التفاني في العمل من آبائهم، وهؤلاء ورثوها من أجدادهم حتى أصبحت سمتًا عامًا يصبغ المجتمع كلّه، فيصبح الكسول والمتهاون والعاطل الاستثناء المنبوذ، وليس القاعدة العامة.

وهكذا تشيع الثقافة العامة، وتورث الأجيال قيمها لمن يأتي بعدها، فيتراكم بناء الأوطان على أكتاف الجميع، ويعلو البناء حقبة بعد حقبة، فلا ثغور، ولا ثغرات، وإنما تلاحم وتعاضد، وفق ثقافة عامة تحكم وتسود.

بعد ضرب هذا المثل بدولة عظمى كاليابان، لها تقاليدها الراسخة، وهويتها المميزة، نعود لسؤالنا: أين نحن من ثقافة النجاح؟

هل سعينا إلى غرس هذه الثقافة في نفوس النشء والأجيال الجديدة، التي سيكون عليها في سنوات قليلة قادمة، أن تتحمل العبء، وتتصدر المشهد، وتدافع عن الإرث الحضاري؟

ماذا قدّمت مناهج التعليم، وبرامج الإعلام لخدمة نشر ثقافة النجاح في المجتمع؟ هل يعي المؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي طبيعة المرحلة؟ هل يفطنون إلى أنّ بعضهم يقود في الاتجاه المعاكس؟!

أين نحن من ثقافة النجاح؟

سأظلّ أردد هذا السؤال دون كلل أو ملل، لأني أرى أن استمرار ريادة المملكة مرهون بوعي جمعي، والوعي الجمعي السعودي، لا يزال دون المأمول، وبينما تتحرك القاطرة بأقصى سرعتها نحو المستقبل، فإن البعض يصرّ على أن يبقى في موقعه، وهو لا يدري أنّه يبطئ الركب، ويؤخر الوصول، ويعيق القافلة.

يا أبناء وطني، إنَّ للحظات الفارقة في حياة الدول والشعوب رجالها ونساؤها، هم الذين يعوّل عليهم، وتركن البلاد إلى عزائمهم. هؤلاء الذين يعيشون النجاح كلّ يوم، يتنفسون نسيمه كلّ صباح، ويتغنون به في كلّ حين.

أمّا أهل الشؤم، والإحباط، والخيبة واليأس فما أبعدهم عن تلك اللحظات المضيئة في عمر الأمم والدول.

أدعوكم لنشر ثقافة النجاح في بيوتكم، ومؤسساتكم، وأحيائكم، ودوائركم، حتى تصبح ديدن السعوديين، ومدار حياتهم، فنرقى أفرادًا، ومجتمعًا، ووطنًا.