مرزوق بن تنباك

وللتعليم وزير

الثلاثاء - 04 أكتوبر 2022

Tue - 04 Oct 2022

كانت هموم الناس في القديم متعددة بتعدد أعمالهم ومهنهم وما يحترفون من سبيل المعاش والكسب الذي تحققه قدرات فردية ومواهب يكتسب بها الإنسان، وفي الغالب أنه يرثها ويتعلمها من أبيه ومحيطه الذي يعيش فيه، فإذا كان أبوه مزارعا أو صانعا أو راعيا أو تاجرا أو محترفا أي حرفة يعيش منها ويكسب فيها ورّث أولاده مهنته وعملوا عمله وقلما يخرجون عما عرفوا من مهنة إلى غيرها من الحرف والمهن.

وقد انقسمت هموم الناس وما يشغلهم بانقسام طرق عيشهم وحرفهم وتعددت بتعدد تلك الحرف والأعمال، ولم يكن هناك هم واحد يجمعهم بكل توجهاتهم ويوجه حياتهم ويجعل الناس كافة يعيشون هما مشتركا إلا حين كانت الثورة الحديثة وكانت الدولة المدنية وكانت المدارس والتعليم الحديث المنتظم، فاجتمع الناس كافة على هم مشترك في كل بيت وفي كل أسرة وأصبحت تقاس قدرات الأمم وتقدمها ومكانتها في العالم بنوع ومقدار مستوى ما يصل تعليمها إليه من جودة وإتقان.

ونحن في هذه البلاد وكل مسؤول فيها أخذنا ما أخذ الناس به منذ ستين سنة والتعليم لدينا هو قضية القضايا والهم الذي لا يفارق بال المسؤولين عن التعليم ولا المواطنين ولا أظن أن دولة من المحيط العربي حولنا أنفقت عليه واهتمت به وعممته في كل مكان مثلما فعلت الدولة والمسؤولون عنه، وكانت النتيجة عددا كبيرا من حملة شهادات التخرج من المدارس والجامعات وكانت الملاحظات كبيرة منذ بدء التعليم على جودته ومستواه وموضوعاته والأغراض والأنواع التي تقدمها مادة التعليم في كل درجاته.

والحق يقال إن محاولات إصلاح التعليم ومناهجه ودراسة أوضاعه كانت دائمة ودؤوبة ولكنها مع كثرتها وتنوع مصادرها واختلاف اتجاهاتها لم تقدم التعليم الذي نريده ولا المستوى الذي يرضينا وبقي تكرارا واجترارا وحفظا وتلقينا في كل عام ويعاد مع كل تغيير ومع كل خطط دراسة متتابعة تعاد السياسة التعليمية نفسها التي لم تتغير مع تغير الوقت ومع التحولات التي مرت بها البلاد والتطورات الكبيرة التي جدت في معارف الناس ومداركهم.

بقي التعليم قضية وبقي الجدل حول ما يمكن إصلاحه من التعليم وما يجب هجره والابتعاد عنه، يجب أن يبدأ التعليم من جديد وبسياسة تعليمية مواكبة لما نحن فيه وما وصل إليه العلم وما استقرت عليه أحدث المناهج من إبداعات لم تكن مما هو معهود ولا معروف فيما مضى من السنين.

كانت كل المحاولات السابقة تنطلق من داخل المؤسسة التعليمية ومن المتخصصين فيها الغارقين في نظرياتهم التربوية والمعرفة الموروثة، وقلما حدث الاستعانة بغيرهم ممن ليس شأنه شأنهم، لكن في الأسبوع الماضي بدأت بارقة أمل فيما قد يعني أن خطط التعليم ومناهجه وسياسته التعليمية قد انتقلت إلى دائرة أخرى من المتخصصين في مجال غير مجال التعليم وليست كما كانت ترميما وإصلاحا وإعادة، ذلك حين عهد بأمره إلى رجل من خارج مجال التربية ولكنه من دائرة المال والاقتصاد والإدارة التي لا تقيدها نظريات الجدل الطويل.

نهنئ وزير التعليم الجديد يوسف البنيان وأمامه خيارات منها:

الأول: أن يمسح الطاولة وينظفها تماما ويضع عليها خططا تنقطع عن كل ما كان يمارس سابقا وتبدأ بتصور المستقبل وحاجاته وما وصل إليه الانفجار المعرفي الحديث وتخطط لمرحلة المستقبل وما نحتاجه من التعليم وما جد في موضوعاته ووسائل تعلمها ولو لم نصل إلى ذلك إلا بعد ثلاثين عاما.

الثاني: أن يزيل الهوامش العريضة المترهلة ويشذب كل المتون الطويلة المملة التي تمددت عبر السنوات وأثقلت حمولته بالتفاصيل والشروح ويعيد لمؤسساته رشاقتها التي تساعدها على الحركة والسير مستقلة عن غيرها حرة في اختيار مناهجها وأهدافها وموكل أمرها إليها مفوضة فيه ومسؤولة عما تعمل ومحاسبة عليه في النهاية وهذا وإن لم يكن هي الأفضل إلا أنه خيار ممكن في بعض قطاعات التعليم.

والثالث: أن يحدد مسارات للتعليم لا سيما التعليم العالي، حيث لا يتقاطع بعضها مع بعض يكون أعلاها مؤسسات علمية صارمة ترعى القدرات الذهنية والمواهب الفردية الواعدة والخلاقة ويؤكل أمرها إلى القطاع الخاص الذي يستثمر للربح وللجودة والمنافسة ويكون ذلك أعلى المسارات ولن يعدم أمثلة كثيرة في العالم الذي يعرفه الوزير جيدا، والمهم من ذلك كله أن نفرق تفريقا بينا بين الحصول على شهادة التخرج الذي ساد المرحلة الماضية وبين اكتساب المعرفة وإتقان التخصص وشحذ المهارات الذاتية وبينهما بون شاسع عريض.