مفلح زابن القحطاني

يوسف زيدان.. وعقدة الافتتان

الاحد - 21 أغسطس 2016

Sun - 21 Aug 2016

تذكرت قبل عامين قول الشاعر العربي «إنما رجل الدنيا وواحدها.. من لا يعوّل في الدنيا على رجل»، وفي السياق ذاته خطر في بالي قول الشاعر الشعبي «من لا يحصّل من ذراعه نجدة.. شربه من يدين الرجال هماج». والهماج هو الماء غير العذب، وكلا البيتين يسير في اتجاه واحد، وكلاهما يدعو إلى الاعتماد على الذات، ويؤكد أن تبعات الاعتماد على الآخرين كبيرة، وأنه غالبا لا يؤدي إلى النجاح. وقد تذكرت ذلك حين رأيت أحد الأساتذة العرب يكتب مذكراته عن تجربته العلمية في إحدى جامعات شمال المملكة، بعد أن تعاقد مع إحدى الجامعات الخليجية، وهي كتابة كانت للأسف مليئة بالمغالطات، وفيها نظرة عنصرية، وتهويل لبعض المواقف، وتهوين من شأن الجامعة وأساتذتها السعوديين.. إلخ.



ولم تكن مفاجأة بالنسبة إلي ما صرح به الروائي المصري يوسف زيدان حول واقع الثقافة والحضارة في جزيرة العرب قديما وحديثا؛ فتلك عقدة يعانيها مجموعة من المثقفين العرب، ومن كانت لهم صلة بالمشهد الثقافي وإن لم يكونوا مثقفين في الحقيقة، وكأنه عز على هؤلاء الإخوة ما يرونه من تقدم في شتى مناحي الحياة، بما فيها الجوانب العلمية والثقافية، وهو التقدم الذي يقابله تأخر وتقهقر في المجالات نفسها في بلدانهم، لتبقى الدندنة على الماضي وعلى عصر الريادة والإسهام في نشر المعرفة في أماكن إسلامية كثيرة، منها بلدان الخليج العربي، وهو دور يجب أن نعترف به ونقدره، لكن في الوقت نفسه يجب ألا يجعل منه الإخوة العرب سيفا مصلتا على الرقاب، فتلك الإسهامات قابلتها وقفات وإسهامات من المملكة، قديما وحديثا، تفوق في قيمتها ومعانيها كل ما قُدم.



أذهب في اتجاه آخر لأقول إن ردود الفعل على ما تحدث به يوسف زيدان كانت - في معظمها - متشنجة وحادة، وبعضها تجاوز الحد المألوف، وهذا ليس جيدا؛ فزيدان قال كلمته، وواضح من تعابير وجهه وتقاسيم محياه أنه أراد الاستفزاز والإثارة والإساءة، وأنه لم يقل ما يؤمن به ويعتقده، ولعل خلف الأمر جوانب نفسية وشخصية معينة.



وفي سياق ردود الأفعال الموضوعية والهادئة، أعجبني كثيرا ما ذكره الدكتور سعيد السريحي في تعليقه على كلام يوسف زيدان؛ حيث أورد مقولة «ضعوا دما ضيّعه أهله»، وقال «إذا لم نُعْنَ نحن بحضارة الجزيرة العربية قبل الإسلام، فليس لنا أن نلوم من يجهل تلك الحضارات، لقد طوينا تاريخنا تحت مسمى (الجاهلية)، وتوهمنا بذلك أننا قد عرفناه، والتبس في أذهان قوم هذا التاريخ وهذه الحضارات بمفهوم (الجاهلية)، (الشرك)، و(الكفر)، وبذلك أصبحت حقلا يكاد يكون محرما على الدراسات»، مستشهدا بمعاناة الجهات المسؤولة لكي يتمّ إقرار مكان سوق عكاظ.



وهنا يجب أن نتوقف لندرك حجم تقصيرنا في حق أنفسنا وبلادنا وثقافتنا وحضارتنا، وهو تقصير واضح، والاعتراف به هو أول الطريق لمعالجته، فضلا عن مشكلة الافتتان بالآخر التي جاوزت الحد، وهو افتتان تمارسه مؤسساتنا الثقافية والعلمية دون وعي، وذلك حين تجعل ضيفنا العربي في منزلة تفوق منزلته الحقيقية، وتحكّمه وصيّا على كثير من الأعمال الثقافية والعلمية، رغم أن الحقيقة أنه في بعض الأحيان من أصحاب «البضاعة المزجاة»، والرصيد المعرفي الذي يمتلكه «أقل من العادي».. إنها عقدة الافتتان التي يجب ألا تكون.

[email protected]