عبدالرحمن الزهراني

خوارزميات جامعة الملك خالد تعلن (49) عاما سنا لليأس الأكاديمي!

السبت - 27 أغسطس 2022

Sat - 27 Aug 2022

لو علم محمد بن موسى الخوارزمي الفيلسوف الإسلامي عالم الرياضيات والفلك والجغرافيا أن الشرق والغرب سوف يستخدمان (الخوارزميات) التي ابتكرها بشكل يؤثر سلبا على حياة الأفراد من قبل المنظمات لما قدم هذا العلم الفريد من نوعه على طبق من ذهب للعالم بأكمله، ولا أحد ينكر أن العلم سلاح ذو حدين، له ما له من إيجابيات وعليه ما عليه من سلبيات لا يمكن تغافلها، وهو ما قامت به جامعة الملك خالد في أبها من استخدام المعادلات الرياضية القائمة على الخوارزميات لبرمجة موقع الجامعة الالكتروني من أجل عدم فتح المجال للمتقدمين للوظائف الأكاديمية من أبناء وبنات الوطن المؤهلين الذين يتجاوز عمرهم (49) عاما بدقيقة واحدة، حيث حدد سن اليأس الأكاديمي للسعوديين عند هذه المرحلة وذلك لدرجة بروفيسور وأستاذ مشارك وأستاذ مساعد، في واحدة من أغرب القضايا المعاصرة في عالم التقنية في المجال الأكاديمي، حيث تظهر للمتقدمين لمن تعدى هذا العمر عبارة «عذرا.. عمر المتقدم يجب أن يكون أقل، أو يساوي 49».

تحدثنا في المقالات السابقة التي ضمن سلسلة مقالات توطين الوظائف الأكاديمية، وأوضحنا بأن جميع الأنظمة المحلية والدولية تعتبر تحديد الأعمار في إعلانات الوظائف الأكاديمية مخالفة ونوعا من أنواع العنصري، رغم أن المادة الثالثة من نظام العمل السعودي تشير إلى أن تحديد العمر في إعلانات الوظائف يعد مخالفة يعاقب عليها نظام العمل السعودي، إلا أن هناك من ينظر إلى النصف الفارغ من الكأس، ويرى بأن هذا النظام يختص بالقطاع الخاص وليس القطاع العام، وبما أنه ليس هناك نظام محدد لعقود الوظائف الأكاديمية للسعوديين فإن النظام المطبق عليه هو نظام العمل السعودي المعمول به في الجامعات الحكومية والأهلية، وكان من الأولى ألا يقع القطاع العام في هذا الخطأ الذي يعد جريمة في معظم الدول المتقدمة، الغريب في الأمر أن جامعة الملك خالد تتعاقد مع منسوبيها بعد بلوغ سن الستين عاما، وتتعاقد مع أجانب أغلبهم أعمارهم تتجاوز (49) عاما عن التعاقد معهم، ولا نعلم عن سر إصرار الجامعة على تحديد سن المتقدمين السعوديين بـ (49) عاما، مع العلم بأن القاعدة الشرعية تشير إلى أن جميع الأطراف يجب أن تقف على قدم المساواة، إضافة إلى أن التفرقة وتعدد أنواع المعاملة محرم شرعا.

أما في الطائف فقد قامت إحدى الشركات المتعاقدة مع جامعة الطائف بالإعلان عن وظيفة (باريستا) وصممت الإعلان وفق الأنظمة المتعارف عليها محليا ودوليا بعيدا عن التمييز العنصري ولم تحدد فيه أعمار المتقدمات، وفي نفس الأسبوع أعلنت جامعة الطائف عن وظائف أكاديمية بنظام العقود وحددت أعمار المتقدمين بحيث لا تتجاوز (45) عاما، فالقضية ليست بالدرجات العلمية بقدر ما تعلق بالثقافات واتساع الآفاق والاتصاف بالنظرة الشمولية بعيدا عن سلوك القطيع الذي يغيب فيه الفكر الإنساني، حيث اعتادت عليه أغلب الجامعات من خلال عملية قص ولصق الشروط والضوابط التي لم ترد في اللوائح والأنظمة، رغم أن لدى هذه الجامعات أقساما للقانون والأنظمة تدرس وتخرج مرحلة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.

في الولايات المتحدة الأمريكية نظام يسمى قانون التميز على أساس السن في التوظيف (ADEA) The Age Discrimination in Employment Act. هذا القانون يعتبر تحديد الأعمار في إعلانات الوظائف جريمة يعاقب عليها القانون، وهناك من يحاول التمرد على النظام، حيث بلغت إجمالي عدد شكاوى على أساس السن المقدمة إلى لجنة تكافؤ فرص العمل الأمريكية حوالي 18 ألف شكوى في عام 2017 أي حوالي 20% من جميع الشكاوى المقدمة إلى الوكالة الفيدرالية، هذه الشكاوى تشير إلى أن المنظمات وأصحاب العمل الذين يعلنون عن الوظائف في مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر، فيس بوك، الانستقرام.. إلخ) لا يستطيعون تحديد الأعمار في الإعلانات لكونها تعد أحد أساليب التميز العنصري ولكنهم يستخدمون برمجيات و(خوارزميات)! بحيث لا تظهر إعلانات الوظائف لمن هم فوق سن الأربعين عاما، حيث أن جميع مواقع التواصل الاجتماعي عند فتح الحسابات تتطلب إدخال تاريخ الميلاد، فيقوم المعلنون عن الوظائف بتحديد أعمار من يظهر لهم الإعلان مثلا من سن 20-30 عاما، وأفاد المتقدمون أمام المحكمة الفيدرالية بأنه فاتتهم فرص عمل كثيرة لم يتمكنوا من مشاهدة إعلاناتها.

أما في عالمنا العربي نحن لا نحتاج إلى أساليب التحايل، بل القيادي العربي يحدد أعمار المتقدمين للوظائف ويعلن كيف يشاء، ويجند المبرمجين من أجل تطويع المواقع الالكترونية لآراء وأهواء تحديد الأعمار نهارا جهارا ضاربا بالتميز العنصري عرض الحائط على مرأى ومسمع من الجهات الرقابية، وهنا نحب أن نؤكد بأن مراقبة ومتابعة مثل هذه المخالفات للأنظمة والأعراف المحلية والدولية أثناء إجراءات التوظيف من مهام وواجبات ديوان المحاسبة العامة بالدرجة الأولى.

نقطة ضوء: عندما تنقلب الموازين يصبح المجتمع يوجه المؤسسات الأكاديمية ويعدل أخطاءها ويغير في ثقافتها، قضية توطين الوظائف الأكاديمية بالجامعات تخضع للآراء والأهواء أكثر مما تخضع للقوانين والأنظمة!!

DrAlzahrani11@