وليد الزامل

رسوم الأراضي واتجاهات تصحيح سوق الإسكان

السبت - 27 أغسطس 2022

Sat - 27 Aug 2022

أشرت في مقال سابق أن إصلاح السوق الإسكاني بات مطلبا أساسيا قبل تطوير أي برامج متعلقة بالدعم السكني. إن التمويل السكني مهما بلغ حجمه سوف يسهم في زيادة الأسعار وتضخم أرصدة تجار العقار.

نظريا، زيادة الطلب تحفز زيادة الأسعار في مقابل زيادة الأعباء والديون على المستفيدين. إن السياسة الإسكانية تسعى لاتخاذ كافة التدابير والأنظمة والتشريعات التي تعمل على تنظيم السوق الإسكاني وأدوار المشاركين بحيث تفي باحتياجات كافة الأطراف بعدالة وكفاءة ويتضمن ذلك نوعية الإسكان، وكميته، وسعره، وملكيته، ومراقبته، من هذا المنطق، فإن تخفيض قيمة المنتج السكني يأتي كأولوية قبل تطوير برامج للدعم للوصول إلى سوق إسكان عادل.

تشكل الأرض السكنية نسبة قد تصل إلى أكثر من 50% من تكلفة المسكن وهكذا فإن تخفيض قيمة الأرض سوف يخفض قيمة المنتج السكني النهائي، وفي حال غياب التشريعات المنظمة للسوق الإسكاني يمكن أن يتم استغلال الأرض السكنية كاستثمار رائج وسهل يروج له من قبل تجار الأراضي، وعلى عكس الاستثمارات الأخرى، فإن اكتناز الأرض لأطول فترة ممكنة يحقق هذا المطلب الربحي، لذلك، تسهم «الأراضي البيضاء» في ظاهرة الزحف العمراني المكلف اقتصاديا على كامل المدينة وزيادة الأسعار مع مرور الزمن وترتفع العوائد المالية للمتاجرين دون بذل أي مجهود، إنها تجارة مضمونة كما يقولون.

إن الامتناع عن بيع الأراضي وتدويرها في السوق وعدم الرغبة بتطويرها لتحقيق القيمة النفعية للمجتمع ليس له تفسير في القواميس والمراجع العلمية سوى مصطلح «الاحتكار»، ومافتيء (بعض) تجار الأراضي ينشرون تجارتهم القائمة على اقتناء الأراضي سواء الصغيرة أو الكبيرة دون نية للتطوير، وهكذا بات حجز الأراضي لغرض التجارة وتعطيل التنمية العمرانية خيارا ملائما واستثمارا سهل المنال لتحقيق الأرباح وتضخم الأرصدة المالية لفئة قليلة من المجتمع على حساب المصلحة العامة والتنمية العمرانية.

اليوم، ومع إطلاق المرحلة الثانية من «برنامج رسوم الأراضي» بات تجار الأراضي أمام محك تحرير الأرض أو التطوير النفعي للعقار السكني، ويأتي هذا البرنامج في إطار محاولة الحد من الاحتكار والعمل على تطوير الأراضي لتحقيق التنمية العمرانية ضمن إطار توجهات الرؤية الوطنية 2030. أصدر برنامج رسوم الأراضي البيضاء أكثر من 5 آلاف فاتورة في الدورة الأولى للمرحلة الثانية في مدينة الرياض، وذلك على مساحات تتجاوز 25 مليون م2 ومن المتوقع أن توفر هذه الأراضي مساحة كافية لأكثر من 80 ألف منتج سكني.

بعبارة أخرى، فالبرنامج أسهم خلال هذه الفترة القصيرة في تدوير الأراضي في السوق وزيادة المعروض حيث يوفر ثلاثة خيارات لأصحاب الأراضي: أولا: إعمار الأرض واستكمال بناء منشآت سكنية عليها (عدا التسوير).

ثانيا: تقليص حيز الملكية؛ تجنبا لما يترتب على ذلك من مخالفة تصل إلى 100% من قيمة الرسم. ثالثا: سداد الرسوم المستحقة والتي سوف تتضاعف مستقبلا في حال عدم بناء العقار السكني.

وختاما، أرى من الأهمية أن تترافق هذه البرامج مع تحليل شامل لواقع القدرة الاقتصادية للأسر، وتصنيف الفئات الاقتصادية ومقارنتها بقيمة المسكن المعتدل في كل مدينة، والتأكد من وجود مخزون إسكان ميسر وكاف للفئات الاجتماعية غير القادرة على التملك في المدينة.

waleed_zm@