عبدالعزيز الخضر

الممكن والمستحيل في السياحة الداخلية

السبت - 20 أغسطس 2016

Sat - 20 Aug 2016

مع بدايات ظهور أثر الطفرة النفطية على المجتمع كانت هناك ملامح سياحة داخلية ملموسة استمرت لأكثر من عقد، فقد كانت مدينة الطائف تتجه إليها شريحة واسعة من نخبة المجتمع في السبعينات وبداية الثمانينات، ومكان التقاء كثير من الأسر، وفيها ذكريات كثيرة لذلك الجيل، بعد منتصف الثمانينات حدث تراجع اقتصادي وتغير ديني، حيث زاد معدل الحج والعمرة من الداخل، وتحولت العمرة الرمضانية خاصة إلى طقس سنوي عند كثير من الأسر السعودية، وأثر على الحركة العقارية بمكة والمدينة وأدى إلى ارتفاعات مستمرة فلكية.



المصايف القديمة بدأت تتآكل، واتجهت النخب إلى الخارج أكثر، وقد كان البعض يخفي سفره للخارج عن المجتمع مع قوة حضور الصحوة الدينية، ووجود فتاوى من شخصيات دينية رسمية، وتحذيرات كثيرة على المنبر. مع نهاية التسعينات والانفتاح الإعلامي خف قليلا قوة الحماس الديني وأخذت السياحة الخارجية تتسع داخل شرائح كثيرة من المجتمع بما فيها الأسرة المحافظة، فبدأت بالاتجاه إلى دول الخليج ثم ماليزيا وتركيا ثم أصبح السفر مصدرا للتفاخر الاجتماعي والتقليد ولم يعد المجتمع يفرق بين أسرة محافظة وغيرها إلا بالقدرة المالية. انهار الخطاب الديني الممانع، وأصبحت الأسر تعاني من الضغط المالي للسياحة الخارجية، والسياحة الداخلية ليست بمستوى ينافس الكثير من الخيارات، وتبدو المشكلة أن السفر بدأ يتحول كنوع من الهروب وتتداول بعض النكت الساخرة.



خلال دقائق يستطيع الفرد أن يتأكد من خلال شاشة الجوال وتطبيقات البوكينج التعرف بدقة على أفضل الأسعار والأماكن السياحية للإقامة والتذاكر الخارجية والداخلية، وتقدير الميزانية المناسبة، بدون الحاجة لمكاتب السفر والسياحة التقليدية التي سيكون مصيرها كمصير كبائن الهاتف قبل سنوات. هناك تحديات كبيرة تواجه صناعة سياحة داخلية قادرة على جذب سائح أجنبي أو اقتطاع جزء من حجم الإنفاق السياحي في الخارج ويقدر بـ 25.1 مليار دولار للسعوديين (جريدة الاقتصادية 13/‏8/‏2016). ما زالت دول معينة تحتفظ بحصص أكبر من الجذب السياحي وخاصة الأوروبية، وقد كان رهان السياحة الداخلية على الإجازات القصيرة لكن دول الخليج الأخرى أصبحت عامل جذب كبير للسائح السعودي منذ التسعينات، حيث تستغل أي إجازة قصيرة للتدافع على مخارج الحدود.



تواجه سياحتنا قبل كل شيء مشكلة الرؤية ونوعية الهدف الذي تريد تحقيقه، فمن الواضح أن هناك إمكانيات طبيعية وتاريخية وإغراء استكشافيا للأجنبي من القارات المختلفة، لكن لدينا عوائق كثيرة جدا ليس منها المحظورات التي تتعلق بالخصوصية فقط والتي تراكمت في الوعي الإداري وهي إحداها وهي بحاجة إلى مناقشات واعية تحدد وتفرق بين أنواع الخصوصية، والواقع أن هذه الخصوصية ليست هي العائق الوحيد وإنما صناعة السياحة بحاجة إلى ثقافة من نوع خاص، ولا تترك فقط للاجتهادات الإدارية والتجارية السطحية دون الاستعانة بخبرات متنوعة داخلية لصناعة رؤية قبل أي تنفيذ.



ليس بالضرورة أن تكون أساليب السياحة وفق مهرجانات أو أنشطة تنتهي بوقت قصير ومشروعات خرسانية مكلفة لن تستغل طوال العام، فما نفقده في كثير من الأحيان هو تحديد أقوى عوامل الجذب، وابتكار حلول بتكاليف أقل، فبالرغم من أننا نمتلك أطول مطلات بحرية على البحر الأحمر والخليج إلا أنه ما زالت أسعار مجمعات الشاليهات خرافية في الأيام العادية، أما المواسم فهي مستحيلة، كما هي أسعار الاستراحات.





يتضح اليوم بسهولة بأن أسعار تأجير الفنادق والشقق ليست لصالح المقارنة بالداخل، إضافة إلى وجود عيوب كثيرة بالتنقل البري وزحمة الطيران، مع ضعف واضح في مسـألة نقاط التنافس في بعض التفاصيل العادية كاستغلال المولات المنتشرة في طول البلاد وعرضها في أشياء كثيرة ودائمة العرض مع ربطها بالإعلام. في مواقع التواصل تستمر الشكوى من الأسعار، السكن، وتلام جهات معينة، وكأن الموضوع غش تجاري واستغلال بحيث تحله الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بأوامر! فالمشكلة تتعلق أولا بالقدرة على تشغيل سياحي طويل خلال العام وليس مركزا خلال فترة قصيرة، فلا يستطيع المستثمر خلالها إنجاح استثماره إلا برفع الأسعار.





يجب أن تفرق بين الممكن والمستحيل في صناعة السياحة، فلا يمكن تحويل كل مليارات المواطن التي ينفقها بالخارج للداخل، فالسياحة جزء منها تنوع سنوي وتغيير بزيارة ثقافات وأماكن مختلفة، ولهذا نجد السائح الأوروبي هو من أكثر السياح إنفاقا في السياحة الخارجية، لكن بالوقت نفسه دولهم هي من أكثر الدول جذبا وإغراء سياحيا. يجب أن نعترف أن هناك مشكلة حدثت مع تطورات الانفتاح جعلت السياحة الداخلية ينظر لها نظرة دونية اجتماعيا وساخرة! وليست مجالا للتفاخر كما يكون لدول أخرى، وقد عزف عنها نخب المجتمع، ولهذا أسباب كثيرة يجب أن تناقش بوضوح.





هناك أشياء ممكنة وطموحات معقولة لصناعة سياحة داخلية تجذب السائح الخليجي والأجنبي وحتى المواطن لو وضعت استراتيجية سياحية تعرف ماذا تريد، وتركز على نقاط انطلاق في مناطق محددة، فالسائح لا ينجذب لمكان خياراته محدودة خلال فترة إقامته، مهما أقمت من مهرجانات وحفلات، وهي عمليا لا يمكن أن تستمر طوال أشهر عديدة. وبالرغم من وجود أفكار استثمارية سهلة لبعض الأماكن الباردة الجبلية أو البحرية، فإن ما يضعف الجهود هو التشتت بين العديد من المدن والقرى، وتحولت إلى نمطية مكررة ومتشابهة في كل الاتجاهات عند دخول أي مدينة.. شقق مفروشة منتشرة على شوارع رئيسية، مطاعم بخاري ومثلوثة وحدائق لا تختلف عن حديقة مدينته التي جاء منها.

[email protected]