وليد الزامل

التخطيط العمراني التخصص الغائب أم المُغيب؟!

السبت - 23 يوليو 2022

Sat - 23 Jul 2022

أتساءل دوما عن خريجي التخطيط العمراني وطبيعة الممارسة المهنية لهم سواء في القطاع الحكومي أو الخاص لأجده ينحصر في إطار الإشراف على المخططات والتقارير الفنية.

وللأسف الشديد، لا زال هناك قصور في فهم المنظور الشامل لتخصص التخطيط العمراني؛ بل وتباين في الرؤى حتى بين المتخصصين في مجال العمران، فمنهم من يرى التخطيط العمراني بمثابة إعداد للمخططات وتقسيمات للأراضي والمناطق وتوزيع للكثافات، في حين يرى آخرون أن التخطيط العمراني في الأصل هو تطوير للسياسات العمرانية مبني على تحليل متعمق للموارد والإمكانات الذاتية للمدن سواء كانت اقتصادية أو بشرية، كما يرى البعض أن مجال العمل في التخطيط يفتقد للمنظومة المثالية التي تتلمذ على وجودها افتراضيا أو لنقل نظريا.

وعلى الرغم من قلة أعداد خريجي هذا التخصص في المملكة العربية السعودية مقارنة بأمريكا والتي تعتبر ذات إيديولوجية تقلل من تدخل التخطيط في عمليات السوق الحر؛ إلا أنه وفقا لدراسة البنك الدولي فإن برامج التخطيط في الولايات المتحدة الأمريكية تُخرج حوالي 2700 مخطط لكل 30 مليون نسمة؛ بينما لا يتجاوز عدد الخريجين محليا 270 مخططا لكل 30 مليون نسمة.

نتيجة لهذه العوامل أصبح البعض من غير المُخططين يتخذ زمام المبادرة ليتعامل مع المدينة وكأنها جسم مادي بلا روح! إن صياغة السياسات العمرانية عملية معقدة فهي ليست مجرد نصوص مكتوبة ومنمقة أو تقارير توضع على الأرفف! إنها «فن استخدام الموارد لتحقيق الأهداف». فإذا كنا غير قادرين على تنفيذ الاستراتيجيات والسياسات العمرانية على أرض الواقع فلا قيمة لها.

اليوم، المملكة العربية السعودية مقبلة على نهضة تنموية كبرى ومبادرات ومشاريع طموحة ومدن جديدة، لذلك فإن ارتباط السياسات العمرانية بآليات تنفيذ وتقييم مستمر مبني على مؤشرات أداء أمر حتمي لتحقيق الأهداف التنموية. ويلعب المخطط العمراني دورا هاما في مقاربة الرؤى والتوجهات التنموية مع احتياجات المجتمع.

في الواقع، المصلحة العامة عنصر متغير عبر الزمان والمكان وهي الشغل الشاغل للمخطط العمراني؛ فمصلحة المجتمع اليوم تختلف عن مصلحته قبل عقد من الزمان، وحيث إن السياسات المصاغة تتسم بكونها «عادلة» لا تميل لخدمة رؤوس الأموال والمتنفذين على حساب ذوي الدخل المنخفض والفئات المستضعفة؛ إلا أنها في الوقت ذاته تؤكد على أهمية تحقيق إيرادات اقتصادية للمدينة ووظائف تنعكس إيجابا على المجتمع المحلي.

أصحاب رؤوس الأموال يبحثون عن استغلال الأرض لتحقيق الربح؛ والسكان يرغبون بالحصول على وظائف، وسكن ميسر، وسلعة رخيصة، وعليه فإن التحدي الذي يواجه المخطط العمراني اليوم لا يختزل في تقسيمات الأراضي؛ بل في تطوير سياسات يصعب فهمها على غير المخططين لتشعبها في جوانب التنمية المختلفة من تخطيط وطني وإقليمي وعمراني وبيئي؛ إلا أنها في النهاية تستهدف التوفيق بين المصالح المتضاربة.

التخطيط العمراني يبنى على مستويات هرمية واضحة؛ فالخطة المحلية لا يمكن تطويرها اعتباطا لكونها تعتمد أساسا على خطة إقليمية ورؤية وطنية. إن بناء التصور العام للمدينة من حيث حجمها وطبيعة نموها ونوعية أنشطتها وعدد سكانها وحجم الوظائف يعتمد على استيعاب شامل للعلاقة بينها وبين المدن ضمن السياق الإقليمي لتحقيق التوازن والاستغلال الأمثل للموارد.

وهكذا فالتخطيط العمراني أشبه بالحلقات المترابطة إذ لا يمكن تطوير مدينة ما كجزيرة مستقلة بمعزل عن بقية المدن دون وضع تصور شامل للسياق الإقليمي ضمن إطار الرؤية الوطنية.

إن التخطيط العمراني يحاول مواءمة ثقافة المجتمع واحتياجاته، والموارد الاقتصادية، والبيئية ليضع حلولا تعمل على تحسين حياة السكان وتتواكب مع عاملي المكان والزمان؛ فالحلول التي يضعها المخطط العمراني لمدينة ما ليست بالضرورة أن تتشابه مع المدن الأخرى، كما أن نقل التجارب العالمية الناجحة وتوطينها على المستوى المحلي لن يؤدي بالضرورة إلى نتائج إيجابية لاختلاف الظروف المكانية والزمانية وثقافة المجتمع في المنطقة أو الإقليم.

وختاما، التخطيط العمراني لا ينحصر في رسم مخططات ملونة أو أبيض وأسود بأشكال هندسية وخطوط متعامدة أشبه برسومات «الكروكي». باختصار، يحتاج المخططون إلى دعم لبناء مستقبل واعد للتنمية.

@waleed_zm