وليد الزامل

خلوها يسكنها الجن!!

السبت - 25 يونيو 2022

Sat - 25 Jun 2022

أطلق (بعض) المسوقين العقاريين شعارات جذابة تحمل مضامين تدغدغ عواطف الأسر والراغبين في تملك مسكن مثل «استثمر في بيت العمر» أو «تملك بيت الأحلام». هذه الإعلانات تعرض صورا لوحدات سكنية ذات مساحات صغيرة تتراوح بين 250-300 م2، وتستهدف غالبا الموظفين الذين يمتلكون الملاءة المالية لاستحقاق التمويل البنكي من الشباب أو المتزوجين حديثا.

تتضمن هذه الإعلانات العقارية مواصفات التشطيب، وعدد الغرف، ومميزات القرب من الخدمات العامة وتوفر مواقف سيارات خاصة كما يقولون؛ ويذيل الإعلان كالعادة بسعر فلكي من ذوات الستة أصفار. في الحقيقة، هذه الأسعار الفلكية لا تعبر عن واقع السوق، وتقع خارج حدود القدرة الاقتصادية للأسر متوسطة الدخل فضلا عن الأسر محدودة الدخل. ومع ذلك، تعمل الأسر وبدافع الرغبة السريعة بامتلاك مسكن على جمع ما لديها من مدخرات -إن وجدت- وسد العجز المتبقي من خلال الحصول على قرض بنكي ثم تسديد القرض باستقطاع جزء شهري من الراتب ولمدة تزيد عن خمسة وعشرين عاما.

بالنسبة لي، وعندما قرأت أحد هذه الإعلانات العقارية انتابني شعور الدهشة واعتقدت حينها أنها وحدات سكنية مطلية بماء الذهب؛ أو مصنوعة من مواد بناء مستخرجة من جبال الألب؛ أو أنها على أقل تقدير تتموضع في مناطق راقية تطل مثلا على أنهار وحدائق خضراء وقريبة بالتأكيد من ملاعب جولف عشبية. في الواقع، هي مجرد وحدات سكنية رتيبة، وذات تصميم مكرر، وبعيدة عن مركز المدينة بعشرات الكيلومترات وفي مناطق شبه صحراوية؛ بل في مناطق خارج المدينة إن جاز التعبير.

إن مجرد التفكير بامتلاك واحدة من هذه العقارات السكنية يعني دخولك رسميا نادي المديونين لعقود من الزمن ويصبح عندئذ «بيت الأحلام» بمثابة «بيت الكوابيس» ولا أعرف في الحقيقة كيف استثمر في بيت العمر؟ لأجد نفسي بعد ذلك مديونا طول العمر! وما هي معايير الاستثمار التي قلبت كل موازين ونظريات الاقتصاد رأسا على عقب، لتصبح الخسارة والمديونية ربحا في نظر (بعض) سماسرة العقار؟

في الجانب الآخر، ولمواجهة هذه العروض العقارية المتوالية والأسعار الفلكية أطلق المغردون في وسائل التواصل الاجتماعي تويتر وسم #خلوها_يسكنها_الجن، لإبداء معاناتهم من أسعار العقارات. هذا الوسم على طرافته؛ إلا انه يعبر عن وعي مجتمعي مفاده عدم الانجراف وراء الارتفاع (غير المبرر) للأسعار أو الاحتكار الذي يقود إلى ارتفاع قيمة المنتج العقاري السكني، وبالتالي إرجاء حركات الشراء إلى أن تصل الأسعار لمستويات معقولة.

ورغم اختلافي في مسألة إقحام (الجن) في موضوع الوسم، إذ لا يمكن الجزم بأي حال من الأحوال بمدى رغبتهم -أي الجن- بالسكن في هذه العقارات بغض النظر عن أسعارها، لذلك علينا التركيز أولا على احتياجات (الإنس) ومعرفة أسباب الفجوة لمواءمة أسعار العقارات مع اقتصاديات السكان.

على أي حال، أرى أن الادخار واستثمار الموارد الذاتية للأسرة يمكن أن يسهم في توفير عوائد مادية مجزية تساعد على دفع تكاليف الإيجارات السكنية، لذلك، فالعيش في مسكن مستأجر أكثر قبولا من فكرة التملك المرتبطة بتحمل مديونية ضخمة يمكن أن تستهلك 50% من الدخل وتستمر لعقود من الزمن.

العقاريون يقولون دوما إن ارتفاع أسعار العقارات السكنية ناتج عن زيادة الطلب؛ والسوق يحكمه العرض والطلب، ويكررون ذلك على مسامعنا مرارا حتى حفظنا الدرس جيدا؛ فإذا كانت هذه النظرية صحيحة -وهي كذلك- فالمجتمع اليوم قال كلمته ليؤكد أن الهبوط في الأسعار قادم وفق المنطق ذاته الذي يردده العقاريون، وخلوها يسكنها الجن!

@waleed_zm