أشرف خليفة

دور البكتيريا المعززة لنمو النبات في المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي

الأربعاء - 22 يونيو 2022

Wed - 22 Jun 2022

إن الأمن الغذائي في جوهره، وفق ما أقرته لجنة الأمم المتحدة للأمن الغذائي العالمي، هو حصول عموم البشر على ما يكفي احتياجاتهم، من غذاء ذي جودة عالية، بما يضمن لهم حياة صحية نشطة، في جميع الأوقات.

فندرة الغذاء وعدم مأمونيته، خطران يتهددان صحة الإنسان واقتصاديات العالم، حيث بلغت أعداد المصابين بأمراض ناجمة عن سوء التغذية أو أمراض منقولة بواسطة الأغذية إلى ما يتجاوز مليار نسمة عالميا، حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، منها 52 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من التقزم، و17 مليون طفل يعانون الهزال. كما تشير التقديرات إلى نسبة 45% من وفيات الأطفال دون سن الخامسة ناجمة عن نقص التغذية.

وينجم عن هذا آثار اجتماعية وأضرار اقتصادية وصحية كبيرة، فتشير التقديرات إلى أن تكلفة علاج هذه الأمراض ما يربو على 100 مليار دولار سنويا، وهو ما يثقل كاهل الاقتصاد العالمي، لا سيما في الدول منخفض الدخل مما يدق ناقوس الخطر، في سرعة إيجاد الطرق المبتكرة، والفاعلة في مواجهة هذه التحديات، ومنها استخدام الكائنات الدقيقة كما سيأتي ذكره لاحقا.

يتأثر الأمن الغذائي -سواء بشكل مباشر أو غير مباشر- بعوامل عدة منها التغيرات المناخية وانبعاثات الغازات التي تزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري، والزيادة المستمرة في أعداد السكان عالميا، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والضغوط البيئية.

يشار إلى التغيرات طويلة المدى في أنماط درجات الحرارة، والطقس باسم التغيرات المناخية، والتي تنجم عن عوامل طبيعية أو أنشطة بشرية، علاوة على ذلك، تتوقع منظمة الفاو أن يصل عدد سكان العالم إلى 10 مليارات بحلول عام 2050، مما يثير مخاوف بشأن انعدام الأمن الغذائي.

هناك الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على ما يكفي من الغذاء ليعيشوا حياة نشطة وصحية.

سوف يتضاعف الطلب على الغذاء تقريبا نتيجة لذلك بناء على البنك الدولي.

ومن ناحية أخرى، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية في المنزل بنسبة 8٪ في عام 2022، مما أثر على الأمن الغذائي لا سيما في البلدان منخفضة الدخل.

هناك فجوة كبيرة بين الاستهلاك والإنتاج العالميين، والتي يمكن أن ترجع جزئيا إلى الزيادة السنوية لسكان العالم بنحو 2٪.

ووفقا للتقرير العالمي حول الأزمات الغذائية، يعاني حوالي 193 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي ويحتاجون إلى إمدادات غذائية فورية.

تؤثر الضغوطات البيئية، بما في ذلك تدهور الأراضي وتعرية التربة وإزالة الغابات والتصحر، بشكل كبير على إنتاجية التربة والزراعة المستدامة.

هناك طرق مختلفة لتحقيق الأمن الغذائي منها تقليل هدر الطعام، رفع إنتاجية الأراضي الزراعية، الاستخدام المتقن للموارد الطبيعية، حيث يتم فقدان كمية كبيرة من ناتج الغذاء عالميا قبل أن يصل إلى المستهلك، قدرت بحوالي 1.6 مليار طن، أثناء الحصاد أو النقل أو التخزين، وفي الأغذية الصالحة للأكل 1.3 مليار طن، عن طريق الإسراف وما شابه.

وفي هذا الصدد سيتم التركيز على الكائنات الدقيقة المعززة لنمو النبات كمحرك فاعل في تحقيق الأمن الغذائي.

بداية تعرف الكائنات الدقيقة (Microorganisms) بأنها كائنات مجهرية (لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة)، واسعة الانتشار حيث توجد في التربة، والماء، والهواء، والانسان، والحيوان وغيرها، منها النافع ومنها الضار، وسيتركز الحديث هنا على النافع منها.

وتتميز هذه الكائنات بكثر أعدادها، فلك أن تتخيل أن جراما واحدا من التربة يحتوي على ما يقارب عشرة مليارات من خلايا الكائنات المجهرية، هو أكثر من عدد سكان كوكب الأرض جميعهم.

كما تتميز هذه الكائنات بقدرتها التي حباها الله بها في أن تعمل كمفاعلات حيوية صغيرة، مستدامة، لا تكل ولا تمل متى توفرت لها الظروف المناسبة، لإنتاج ما ينفع البشر.

وضمن المجموعات النافعة، البكتيريا المعززة لنمو النبات (Plant growth promoting bacteria) وهي بكتيريا تكثر في المنطقة المحيطة بجذور النباتات وتسهم بطريقة فاعلة في زيادة خصوبة التربة وإنتاجية النبات من خلال ما أنعم الله بها عليها من صفات فريدة، منها ما يمد النبات بعنصر النيتروجين الضروري من خلال عملية تثبيت النيتروجين، ومنها ما يساعد النبات في الحصول على عنصر الفسفور من خلال إذابة أملاح الفوسفات غير الذائبة، ومنها ما ينتج الهرمونات النباتية التي تنظم نمو أجزاء النبات المختلفة، ومنها ما يفرز المضادات الحيوية والتي تثبط مسببات الامراض النباتية. فهي بذلك، تصبح مواردا مستداما ونهجا واعدة لسد الفجوة العالمية في إنتاج الغذاء من خلال مجموعة متنوعة من تطبيقات التكنولوجيا الحيوية.

بناء على طريقة عملها، يتم تصنيف البكتيريا المعززة لنمو النبات على أنها أسمدة حيوية (Biofertilizers)، محفزات حيوية (Biostimulators)، عوامل تحكم بيولوجي (Biocontrol)، وهو ما سنتناوله بشيء من التفصيل في الآتي:

الأسمدة الحيوية هي مواد تحتوي على عدد من الكائنات الحية النافعة، والتي تلعب دورا هاما في تحسين خصوبة التربة، ومن ثم تعزيز نمو النبات وزيات إنتاجه، عن طريق إمداده بما يحتاج إليه من عناصر غذائية ضرورية مثل النيتروجين والفسفور والحديد وغيرها، بطريقة صديقة للبيئة.

يعتبر النيتروجين من العناصر الغذائية الأساسية لنمو النبات الطبيعي، حيث يدخل في تركيب بعض الجزيئات الحيوية داخل الخلايا مثل البروتينات والكلوروفيل والأحماض النووية.

ومن المعلوم، أن الغلاف الجوي يحتوي على حوالي 78٪ من غاز النيتروجين، لكن النباتات لا تستطيع استخدامه والاستفادة منه بطريقة مباشرة، لعدم احتوائها على الانزيم الخاص بذلك (إنزيم النيتروجيناز Nitrogenase)، وهو إنزيم مسؤول عن تثبيت النيتروجين حيويا (Biological Nitrogen fixation) وتحويل الهواء الجوي إلى أمونيا والتي يسهل على النبات الاستفادة منها في بناء الأحماض الأمينية والبروتينات المختلفة.

وقد حبا الله سبحانه وتعالى البكتيريا، بهذه الميزة دون غيرها من الكائنات الحية.

يدخل النيتروجين إلى النظام البيئي من خلال البكتيريا المثبتة للنيتروجين Nitrogen-fixing bacteria، والتي تشكل الرافد الأساسي، حيت تشير التقديرات إلى أن التثبيت الحيوي للنيتروجين في النظم البيئية الأرضية الطبيعية 62 تيرا غرام نتروجين (زهاء 26 مليون طن نيتروجين) في العام.

وتسلك البكتيريا المثبتة للنيتروجين أحد مسلكين حسب طريقة معيشتها، فأما أن تثبت النيتروجين بطريقة حرة أثناء معيشتها مستقلة في بيئاتها المختلفة، أو أن تثبته بطريقة تكافلية، حيث تتبادل المنفعة مع جذور الكثير من النباتات البقولية مثل الفول والترمس وغيرها، فتكون عقدا جذرية عليها.

تقوم البكتيريا بإمداد النبات بما يحتاجه من النيتروجين في صورة مثبته، وتحصل البكتيريا في المقابل على احتياجاتها من المواد الكربوهيدراتية من النبات. اكتشفت النباتات البقولية التثبيت الحيوي للنيتروجين في عام 1886، مما مهد الطريق للأسمدة الحيوية.

الفوسفور (Phosphorus) هو عنصر آخر أساسي من المغذيات الكبيرة يمكن أن توفره البكتيريا المعززة لنمو النبات.

إنه مكون أساسي في العديد من العمليات الفسيولوجية في النباتات، بما في ذلك عمليات التمثيل الضوئي وتكوين الأغشية وآليات نقل الطاقة، كما أن له دورا هاما في تنمية البذور واستطالة الجذور والنضج الطبيعي للمحاصيل.

تحتوي التربة على الكثير من الفسفور، لكن معظمها غير متوفر حيويا أي لا يستطيع النبات الاستفادة منها بسبب أوزانها الجزيئية العالية، مما يحد من قابليتها للذوبان في الماء.

تظهر العديد من أنواع البكتيريا المعززة لنمو النبات ممثلة في البكتيريا مذيبة الفوسفات (Phosphate-solubilizing bacteria) القدرة على إذابة الفوسفات غير العضوي، وإتاحته للنباتات بطريقة آمنة بيئيا، بآليات مختلفة منها إفراز بعض الأحماض العضوية، وتفاعلات الأكسدة والاختزال، وإنتاج مواد بوليميرية خارج الخلية.

أثبتت البكتيريا التي تذوب في الفوسفات أنها حل فعال للمناطق القاحلة والمعرضة للجفاف وزراعة الأراضي الجافة.

الحديد ضروري للعديد من العمليات الخلوية في النباتات، بما في ذلك التخليق الحيوي للكلوروفيل والتنفس، بالإضافة إلى عامل مساعد للعديد من الإنزيمات.

يوجد الحديد في التربة بأشكال غير قابلة للذوبان لا تستطيع النباتات الوصول إليها والاستفادة منها، لكن مساعدة البكتيريا المعززة لنمو النبات تستطيع أن تحصل على ما تحتاجه من حديد، فالبكتيريا المعززة لنمو النبات تستطيع إفراز جزيئات عضوية صغيرة تسمى السيدروفور Siderophore، يتم إنتاجها في بيئات شحيحة الحديد ولديها قابلية عالية الارتباط بالحديد، وتسهم بشكل كبير في زيادة نمو النبات عن طريق إتاحة الحديد وعناصر أخرى محتملة للنباتات.

كما أنها تستطيع بطريقة غير مباشرة من تثبيط نمو المسببات المرضية للنبات عن طريقة عدم إتاحة عنصر الحديد لها.

تستطيع البكتيريا المعززة لنمو النبات أن تلعب دورها المشار إليه سابقا، من خلال قدرتها على إفراز بعض منظمات النمو النباتية مثل الأوكسينات، والجبريلينات، والسيتوكينينات: وهي هرمونات نباتية تحفز نمو أجزاء النبات المختلفة مثل طول الجذر والساق، ونمو الازهار والثمار.

وتستطيع هذه المجموعة البكتيرية إنتاج المضادات الحيوية، التي تكافح الميكروبات التي تصيب النباتات ومحاصيلها.

تشير الدراسات أن أمراض المحاصيل تمثل تحديا كبيرا للزراعة المستدامة؛ لأنها تقلل من إنتاج المحاصيل بنسبة 33% تقريبا.

المضادات الحيوية عبارة عن مركبات منخفضة الوزن الجزيئي، تمنع أو توقف نمو الميكروبات الممرضة، عبر عدد من الآليات، منها مهاجمة الجدار الخلوي، والغشاء البلازمي وأماكن بناء البروتين، وغيرها من الأجزاء الحيوية داخل المسبب المرضي.

والمبيدات الحيوية الميكروبية هي منتجات مشتقة من الكائنات الحية الدقيقة المفيدة، التي يمكن استخدامها لمكافحة أمراض النبات، والآفات الحشرية التي تسبب أضرارا للمحاصيل الزراعية عاما بعد عام.

استخدم المبيدات الكيماوية قد تعرض البيئة وصحة الإنسان للخطر. يمكن استخدام البكتيريا المعززة لنمو النبات المنتجة المنتج للمضادات الحيوية بطرق صديقة للبيئة لحماية المحاصيل الزراعية من مسببات الأمراض النباتية، عن طريق إفراز العوامل المعادية وزيادة الاستجابات المناعية، تعمل البكتيريا المعززة لنمو النبات كمثبطات للأمراض النباتية.

ونظرا للأدوار الحيوية التي تلعبها البكتيريا المعززة لنمو النبات، فقد ركزت كثير من الدراسات التي زادت نسبتها بشكل مطرد في العقدين الأخرين، على استخدام هذه البكتيريا كمعزز حيوي يضاف إلى التربة، أو بنقع البذور فيه، أو يضاف كبودر أو يرش به النبات.

وكانت النتائج المعملية والحقلية مذهلة فقد زاد إنتاج بعض المحاصيل مثل الأرز والقمح وغيرها بنسب تصل إلى أكثر 200%، مما حدا بالكثير من الشركات الأوربية والأمريكية وغيرها التوسع الملحوظ في إنتاج العديد من المخصبات الحيوية على نطاق تجاري واسع، فقد قدرت قيمة سوق الأسمدة الحيوية بنحو 2391.51 مليون دولار أمريكي في عام 2021 ومن المتوقع أن تصل إلى 4448.97 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2028.

وخلاصة القول، إن البكتيريا المعززة لنمو النبات، بما حباها الله من قدرات فائقة، تستطيع من خلالها العمل على زيادة خصوبة التربة، وتحسين نمو النبات ومضاعفة إنتاجه، بطريقة آمنة بيئيا، ومنخفضة التكاليف، وفعالة لسد الفجوة بين استهلاك الغذاء وإنتاجه، وتحقيق الأمن الغذائي.

وفي نهاية هذا المقال أتقدم بخالص الشكر والتقدير للدعم المقدم من كرسي بنك البلاد العلمي للأمن الغذائي (Chair85) في المملكة العربية السعودية، عمادة البحث العلمي، وكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي، الأحساء، المملكة العربية السعودية.