شاهر النهاري

المعتقدات بين الحرية والإخفاء والإجبار

الاثنين - 30 مايو 2022

Mon - 30 May 2022

في الإسلام، تظل حرية المعتقد أمرا خلافيا، والآراء القائلة بالحرية تعتمد على آيات قرآنية وأحاديث صحيحة، والآراء المعاكسة تعتمد أيضا على آيات وأحاديث لإثبات بطلان فكرة الحرية أو إمكانية التبديل، وتحريم مزاولة الأقليات الدينية مثل البوذية، والهندوسية، والأزيدية، لطقوسها، وتجريم إشهار الألوهيين والملحدين واللا أدريين لمعتقداتهم.

والقوانين في هذا الشأن، تختلف تبعا للعصر والجغرافيا، ومدى هيمنة السلطة الدينية أو المدنية، وقد يتم استخدامها في السياسة والقضاء، ما يجعل التفسيرات والقوانين تتمدد وتنكمش، وقد يتم تلبيسها بالإرهاب أو معارضة السلطة، لاستباحة التحيز في الحقوق والقوانين والأحكام والعقوبات.

الدول الدينية وبتنوع سياساتها تضطر ولو ظاهريا على التماهي، وتظل متمسكة بقوانينها المتوارثة، والتي تضبط معتقدات أفرادها من خلالها، ولكن التجديد العالمي المفروض من قبل منظمات حقوق الإنسان يزداد توغلا، وحسب قوة الدول في مواجهة ورفض تدخلاتها.

أما الدول العلمانية فقد تمكنت من فصل سياستها عن الأمور الدينية قولا واحدا، فلا يعامل المواطن على أساس معتقده، ولا تزيد أو تنقص قيمته وحقوقه تبعا لذلك، حتى أن المعتقد لا يذكر في سجلات وبطاقات الشعوب، ما يترك للنفس البشرية حريتها في انتقاء ما تقتنع به، وتجد فيه تكامل احتياجاتها العقلية والروحية والنفسية، وبالتالي امتلاك حرية مزاولة شعائرها وطقوسها بأريحية، طالما أنها لا تضر بالآخرين، ودون تصنيف البشر روحيا لفئة مسيطرة، وأخرى مسيطر عليها.

وتأتي المفاهيم العلمانية المدنية في الدول المتقدمة، ضمن رؤية ودعم وتحركات النظام العالمي الجديد، والذي يفرض قوانينه الصارمة عالميا، بأهداف تمكين البشرية من حقوقها الإنسانية، والروحانية مهما شذت أو ندرت معتقداتهم، وهذا ما أحرج بعض الدول الدينية الراغبة في التطوير، وأدخلها في معضلات الرفض الشعبي، ما أجبر بعضها على تلوين الواقع، وتعديل الدساتير، والشحن الإعلامي، وجذرية تعديل المناهج التعليمية، والإبقاء على الأبواب الضيقة للمحافظة على المسميات والشعارات الدينية ظاهريا، بينما يتم في نفس الوقت اتخاذ خطوات علمانية عميقة على أرض الواقع، للبدء في تطبيق مفاهيم تمكين حرية المعتقد لمواطنيها، ولو عن طريق الالتفاف، بمثل ما شاع مؤخرا عن الديانة الإبراهيمية، والتي يدّعي أهلها أنها تقارب بين الديانات السماوية الثلاث، بينما هي واقعا مجرد شكلية، يقصد منها إعطاء الحرية الدينية لمواطنيها ومقيميها، ليس فقط في الأديان الثلاثة، ولكن لجميع المعتقدات البشرية الأخرى، وبسعي حثيث لبلوغ عوالم العلمانية العالمية تدريجيا، وتتبع ما يستجد من مسميات عصرية، وعقد مؤتمرات وحوارات وتجمعات مختلطة المعتقدات، في محاولة لإضعاف سيادة الدين الواحد، وجعل جميع أهل الوطن وزواره سواسية في حقوقهم الروحية، طالما أن مزاولتهم لطقوسهم تلتزم بعدم بلوغ مضايقة أهل المعتقدات الأخرى، سواء باليد أو اللسان أو القلب، وبتمكين كل إنسان من مزاولة معتقده بأريحية، أمام الجميع، ودون خشية من نقد أو تحجيم أو عقوبات.

تغيرات منهجية فكرية جذرية تجتاح الدول الدينية، وقد يكون نتاجها مفيدا، لو كانت أهدافها منع أسباب العنصرية والإرهاب، والحروب بين الأديان والمعتقدات، ولكن مسارات التطورات الفكرية الحقوقية الحديثة تزداد شذوذا، والخوف أن ينتج عنها أنواعا مبتكرة من العبودية والتفسخ وتسخير الجوائح، وتعميم النظريات الشاذة، وهيمنة التقنيات المجنونة المتربصة بمصائر وجود ونُهى ونفسيات الأجيال القادمة.

shaheralnahari@