علي المطوع

سير أعلام السفهاء وإعلامهم!

الأحد - 29 مايو 2022

Sun - 29 May 2022

مع الاعتذار للإمام الذهبي وإصداره العظيم «سير أعلام النبلاء»، فأنا هنا أحاول أن أركز الضوء في هذه المساحة الكتابية الصغيرة على بعض (السنابيين والسنابيات) الذين تجاوزت مساؤهم حدود ما يقبل ويغض الطرف عنه، لماذا بعض (السنابيين والسنابيات) تحديدا؟ لأن حضورهم المقيت بات طاغيا وتأثيرهم صار ملموسا وخطرهم يتزايد يوما بعد يوم.

نعم نحن نعيش ثورة تقنية غير مسبوقة والإعلام لم يعد وقفا على منصاته التقليدية القديمة؛ فاليوم كل فرد أصبح بإمكانه تشكيل نسقه الدعائي الخاص ومواده الحصرية التي تجعل منه رقما مهما كان صغيرا، إلا أنه يظل محسوبا على الطرح الإعلامي ومتلقيه أيا كان مستواهم الثقافي والفكري والمعرفي.

وفي مجتمعاتنا تتزايد أعداد هؤلاء السفهاء، وتتزايد وتيرة متابعاتهم ومشاهداتهم، حتى أصبح الجميع متفقا على حالة من السيادة الإعلامية والإعلانية لهؤلاء، سيادة لا تعني ميزة إيجابية في المحتوى المصنوع بقدر ما هي سيادة تعني أنه المحتوى الأكثر مخالفة ومشاهدة ومتابعة من كثيرين، ربما أغلبهم لا يتفقون مع هذا المحتوى ولا يرون فيه ما يتفق مع قيمنا وأعرافنا وتقاليدنا العريقة.

والسؤال الذي يتكرر من جديد «لماذا يسود محتوى هؤلاء التافهين ولماذا تصبح لهم كل هذه الحظوة عند كل هؤلاء المتابعين؟».

الجواب في تقديري قد يكمن في عدة أمور ساهمت وما زالت تساهم في ارتفاع وتيرة حضور هؤلاء السفهاء وزيادة قدرتهم التأثيرية على الناس، ومن هذه الأمور:

1 - البعد الاستهلاكي المقيت الذي يدندن عليه هؤلاء السفهاء، سواء في احتياجات المتعة من مأكل ومشرب وملبس، أو السفر تحديدا، كحالة من حالات المتعة التي يقوم هؤلاء بتوثيقها وبث أحداثها للناس كحالة من حالات تجليهم وانبساطها وتميزهم عن الجميع.

إن البعد الاستهلاكي ومفاهيمه الخاطئة تسود هذه الأيام في كثير من المجتمعات، وكل المفاهيم والغايات الأخرى باتت تطوع خدمة لهذه الغاية، بل ليس غريبا إن قلنا إن نسبة لا يستهان بها من حالات الطلاق المتزايدة تعود إلى مفهوم مغلوط ومسبق، يسقط في عقل الزوج أو الزوجة، مضمونه أن الطلاق وسيلة مثلى للانعتاق من قوانين الأسرة، والتحرر من قيودها الراسخة للوصول إلى تلك اللذة المنشودة والتي تتمثل في البعد الاستهلاكي الذي يراه البعض الغاية المثلى واللذة القصوى.

2 - ضحالة تفكير كثير من هؤلاء المشاهير، ومرارة تجاربهم الأولى، والتي تتجلى في محاولتهم الدائمة والدؤوبة في تشجيع متابعيهم على التحرر والانعتاق من قيم الأسرة والمجتمع وضوابطهما، وتصوير حالتهم المتمردة بأنها قمة الانعتاق والتحرر من قوانين مجتمعية كبلت الفرد وجعلته أسيرا لعرف كان وما زال في منظورهم السطحي مانعا يمنعهم من الاستمتاع بالحياة ومباهجها.

3 - انكفاء المفاهيم المجتمعية الصحيحة في المجتمع، وذلك بسبب تقليدية طرحها، وعدم استطاعة نخب المجتمع المؤمنة بها التكيف والتعامل مع الحالة الهستيرية التي باتت تصاحب حضور هؤلاء السفهاء، فليس من المجدي أن تكون معالجة هذه الظواهر بطرق تقليدية قديمة، بل يجب التفاعل معها ومقاومتها بنفس الأدوات التي تستخدمها بعيدا عن حالات التشنج السابقة التي كانت تصاحب حضور المخالفين والمختلفين.

4 - ضعف الدور الأسري وتباعد أفراده، فالأسرة تظل الحصن الأول والأخير في تعبئة وإعداد نشئنا الحاضر والقادم، وغرس مفاهيم التقى والصلاح في معارفهم وطرائق تفكيرهم، وتذكيرهم بحب الوطن والتفاني في خدمته والذود عنه، والتذكير الدائم بأن تصرفات هؤلاء السفهاء لا تمثل إلا من يمثلها ويمتثل لها، وأن الوطن بتاريخه العريق وحاضره المنير ومستقبله المشرق بعيد كل البعد عن هؤلاء وتصرفاتهم الرعناء التي تحسب عليهم ووحدهم دون غيرهم.

وفي الختام أود التذكير بأن هذا الموضوع له أبعاد كثيرة ومعالجات أكثر وصور مؤلمة، تجعلنا نتساءل دائما عن الحلول التي ينبغي طرحها لتقنين مثل هذه التصرفات قبل أن تصبح ظواهر توصم بها المجتمعات، ولعل تكريم الدولة لموهوبينا الذين عادوا بأغلى الشهادات صورة مثلى لما ينبغي أن نفعله ونفعّله لكل التصرفات الجميلة التي تنفع المجتمع وأفراده.

إن تكريم ولي العهد وانبساطه وانشراحه لهؤلاء الرموز من الموهوبين ليعكس ويذكر بذلك التوجه الرسمي الذي يقدر العلم والعلماء ويزيد من حظوتهم وحظهم في أن يظلوا هم الصور المثلى التي ينبغي للجميع حفرها وحفظها لتكون النموذج الذي ينبغي سيادته في الداخل وإعادة تصديره للخارج ليعكس ويجسد مجتمعنا السعودي العريق الراسخ في قيمه الأصيلة وأعرافه النبيلة.

أما المجتمع برموزه ونخبه فهو مسؤول عن إعادة تشكيل وإبراز من يفترض أن يكون أولا وقبل كل شيء، فهؤلاء السفهاء هم من المجتمع، وما يقدمونه من أفكار ومفاهيم تظل أشياء من داخل المجتمع وإن كانت نشازا، وبالتالي يجب علينا جميعا أن نتكاتف لإعادة ترميمه وإبراز صوره المشرقة والطيبة لتجسد السواء والسواد الأعظم من الناس الذين وإن صمت أغلبهم إلا أنهم كانوا وما زالوا يرفضون تجاوزات هؤلاء السفهاء ويزدرونها كونها دخيلة عليهم وعلى ما ألفوه وعرفوه وعاشوه.

@alaseery2