صهيب الصالح

الرهانات الدعائية في الأزمة الأوكرانية

السبت - 21 مايو 2022

Sat - 21 May 2022

لا تخلو الأزمة الأوكرانية من رهانات دعائية بين فريقي النزاع، إذ يلحظ المراقب للأفق النظري في الحرب الروسية الأوكرانية، أن وسائل الإعلام الدولية تتسابق فيها نحو الاستحواذ على خلق الانطباع الأول، حيث أعلنت مثلا وسائل الإعلام الروسية بأن هذه الحرب هي عملية خاصة لحماية إقليم الدونباس وخلق الاستقرار فيه وتجنب احتدام الصراع، بينما كررت وسائل الإعلام الغربية أن هذه الحرب هي اعتداء وحشي وكارثي على الديمقراطية وسنوات السلام في أوكرانيا، بل وأعادت الأذهان إلى أحداث الحرب العالمية الثانية.

هذا فقط عندما يتم الحديث عن سببيات الحرب دون الخوض في إحصاءاتها وتفاصيل عملياتها والمعلومات التحريضية التي تبث من الطرفين دون تقديم أي نوع من البنى الحجاجية، ومن ينظر إلى تعاطي الإعلام الدولي بشقيه الغربي والروسي مع الحرب الروسية الأوكرانية، تخطر في ذهنه اعتراضات على مدى صحة أو تضليل جميع المعلومات التي يتلقاها، وهنا يتلخص موضع الرهانات الدعائية في هذه الحرب.

هذه الحالة لم تكن لتظهر لولا أن الجماهير اعتادت على أن تكون منسجمة مع وسائل الإعلام التي تفضلها؛ إذ دائما ما تنعكس آراء تلك الوسائل وخطابها الإعلامي على الآراء التي تتبناها جماهيرها بما يتماهى مع سياسات الوسيلة الإعلامية، حتى أصبحت العملية الاتصالية أشبه بالتلقين

الذي يحدد السياق المعلوماتي ضمن نظام دلالي يتوافق مع الأهداف الاستراتيجية المضبوطة مسبقا، مما يؤكد بأن وسائل الإعلام الدولية هذه تقبع تحت سيطرة مراكز القوى، والحالة الأوكرانية أوضحت جليا أن أي خبر من أي طرف ما كان لينشر إلا لغاية واحدة فقط هي السيطرة والتحكم

في نشر المعلومات، وهنا لا مجال لأهمية دقة الأخبار ومصداقيتها، بل المهم هو دورها ووظيفتها وما تعكسه للناشر من تمكين في أقوى الأدوات المؤثرة على الرأي العام الدولي.

وهذا ليس بالاستنتاج الجديد، إذ يقول بيتر أرنيت الذي يعد أشهر مراسل عسكري في العالم في مذكراته بعد أن وصف تقييد العمل الصحفي في حرب فيتنام (1955-1975) «سريعا ما علمنا أن الحملة التي استهدفت تقييد حريتنا في إجراء تغطيتنا للأخبار كانت تجد العون والتحريض

عليها من أجهزة حكومية في واشنطن، وكانت سفارة الولايات المتحدة في فيتنام تذعن لمطالب رؤسائها»، ومنذ هذه الحرب على ما يبدو، بعدما هزمت معلومات قرابة 400 صحفي تستر أكثر من 466 ألف جندي أمريكي؛ انطلقت مراكز القوى نحو رسم استراتيجيات الرهانات الاتصالية

في الحروب والأزمات، وكانت النتيجة ظاهرة عندما سيطرت آلاتها الاتصالية على ضخ المعلومات المفلترة لمبررات حربي أفغانستان والعراق على أنها مواجهة مقدسة بين الخير والشر.

وما قد يتسبب في خسارة الروس للرهانات الدعائية في هذه الحرب هو عدم التزام وسائل إعلامها بالاتساق، بل حتى عدم التزام زعيمها وبعض قادتها أيضا، ففلاديمير بوتين نفى قبيل الحرب أي نية لاجتياح أوكرانيا، كما ظهر وزير الخارجية سيرجي لافروف مرتبكا في عدد من اللقطات

لم تغفرها له وسائل الإعلام الغربية، وعدم الاتساق الروسي تناظره رهانات غربية تتسم بالتكرارية والتواصل مع الاتساق الواضح، فيما يبقى الرهان الأصعب من هذا وذاك هو الرهان على وعي المتلقي من حيث إعمال التفكير في الواقع الموضوعي، خاصة وأن هذا المتلقي قد يكون رجل

دولة أو مستثمرا أو كيانا تجاريا.

@9oba_91