بندر الزهراني

الإبداع والابتكار.. فطرة أم طفرة؟

السبت - 21 مايو 2022

Sat - 21 May 2022

يخطئ البعض عندما يظن أن الإبداع والابتكار لفظان مترادفان يمكن استخدامهما للدلالة على شيء واحد، أو أنهما عمليتان مكملتان لبعضهما البعض بالتبادل، فالإبداع هو المقدرة على خلق فكرة ما، بينما الابتكار هو المقدرة على تطوير تلك الفكرة بطرق سهلة وميسرة وقابلة للتطبيق، وهذا يعني أن الإبداع يأتي أولا ثم يعقبه الابتكار، لا العكس، ومن يقرأ في فلسفة الاقتصاد ونظريات الأعمال يجد أن هناك أنواعا للإبداع وأخرى للابتكار، تختلف باختلاف مجال تطبيق وتكييف كل نوع.

الإبداع له علاقة طردية وثيقة تربطه بالخيال، فكلما كان الخيال وافرا خصبا كلما كان الإبداع واقعا نضرا، وكلما غاب الخيال أو كان مشوشا كلما تضاءلت فرص المبدعين في خلق الأفكار، وبالتالي يشح الإنتاج المعرفي وتندر المواهب العقلية الفذة، ولذلك نجد أن استثارة وتنمية الخيال لدى الناشئة في سن مبكرة أمر في غاية الأهمية، خاصة إذا ما حضرت ملكات الإبداع ونوازع التفوق والإتقان.

وكما أن القوة والقدرات الجسدية يمكن بناؤها وتطويرها بالتدريب والممارسة، وأنها تتفاوت فطريا من شخص لآخر، فكذلك القوة العقلية والقدرات الذهنية، وعلى هذا يكون الإبداع درجات أو مراتب، أعلاها -من وجهة نظري- أن يتهم العاقل بالجنون بسبب خياله المفرط، وآرائه وتصرفاته الغريبة، وأدناها أن يكون المبدع مبتكرا أصيلا لا ينازع عقله أمر ما إلا غلبه وتفوق عليه.

وكذلك الابتكار أنواع، فهناك الابتكار التحسيني أو التطويري (Incremental innovation) وهو عبارة عن سلسلة من التحسينات التطويرية تتم على فكرة إبداعية معينة أو استراتيجية قائمة، وفي العادة يكون الغرض من هذه التحسينات رفع مستوى الجودة والفاعلية والمنافسة، وهذا النوع هو الأكثر شيوعا واستخداما في أغلب الشركات والإدارات الأكاديمية الروتينية بغض النظر عن سلامة الإجراء ومدى فاعلية التطبيق.

ويقابل الابتكار التحسيني ما يعرف بالابتكار المعطل (Disruptive innovation) وفي هذا النوع يتم خلق أفكار جديدة أو فرص جزئية تكون على سبيل المثال بدائل تسويقية لسلع أو منتجات أساسية، أو تكون طرقا وأساليب إدارية حرة تتنافس فيما بينها لإزاحة النظم الأكاديمية التقليدية والبيروقراطية، وكلا النوعين له إيجابيات وسلبيات إذا ما أردنا إسقاطهما على الإدارة الأكاديمية والحركة البحثية في أي بلد يسعى لتحسين الأداء البحثي وتجويد مخرجاته العينية والمعنوية.

وهناك ابتكار خارق للمألوف (Breakthrough Innovation) وهو -في ظني- الأقرب للإبداع، ليس من ناحية صناعة الفكرة وتفردها فحسب، وإنما من ناحية شخصية المبتكر، فمثلا توماس أديسون وستيف جوبز كلاهما مبتكر وخارق للعادة، ولا يقلان إبداعا وتميزا عن ألبرت أينشتاين وفان كوخ، وقد تكون حظوظ المبتكرين في الانتشار وتكوين الثروات أكثر منها لدى المبدعين، وإلا لما انتحر فان كوخ وهو دون الأربعين!

المبالغة في برامج صناعة الإبداع والابتكار لا تخلق مبدعين وعباقرة، وكذلك الاقتصار في الإدارات التعليمية والمؤسسات الأكاديمية على محاكاة الآخرين أو تجريب الأساليب الإدارية الناجحة ليس كافيا لخلق محاضن حقيقية للمبدعين والمبتكرين من علماء ماديين وأدباء وفلاسفة، المبدع يولد مبدعا، والمبتكر يولد مبتكرا، هكذا من الخالق جل جلاله، وليس لنا إلا تهيئة الأجواء أمامه حتى لا يكون غريبا ووحيدا أو يوصم يوما ما بالجنون، ويصاب بالعزلة والاكتئاب!

drbmaz@