صهيب الصالح

في فهم الأمن الإقليمي

السبت - 07 مايو 2022

Sat - 07 May 2022

يحفز الأمن الإقليمي على القول بأنه أحد أهم المفاهيم التي يجب أن يتحرك تفسيرها وفقا لإدراك مشترك بين الدول الأعضاء فيه، وبذلك يتكون من مزيج من الارتباطات والتقاليد التاريخية للأنشطة السياسية والاقتصادية بين بلدان الإقليم، خاصة وأن بنية الإقليم الذي نعيش فيه ذات طبيعة فوضوية وليست أحادية القطبية، وقد قادني إلى ذلك ما اعتاد القارئ العربي على مطالعته من تعليل لطبيعة العلاقات الخليجية الإيرانية، أو السعودية الإيرانية بالأخص، على أساس الاختلاف الطائفي أو حتى تاريخية العداء الإثني الموجه من الفرس إلى العرب دون تمحيص واضح، إذ أخذ هذا الاتجاه منحى متناهيا من التسطيح والتجاهل لمعضلة إقليمية كبرى من شأنها البروز إذا ما خضنا في تفاصيل النظرة الأمنية تجاه الإقليم لأي من القوى المؤثرة فيه، إذ لا يوجد هناك أي نوع من التوافق في تفسير مفهوم الأمن على مستوى النطاق الإقليمي لأي نظرة ثنائية من القوى الرئيسة عندما تكون إيران طرفا في هذه الثنائية.

وطوال العقدين الأخيرين تنافست القوى الإقليمية التقليدية والصاعدة بفاعلية متراكمة في الساحات الاقتصادية والنفوذ السياسي في المنطقة، لكنها تكاد تشترك في نظرتها إلى الأمن الإقليمي المتمثل في ضرورة تعزيز الحلفاء الدوليين لحالة الأمن الإقليمي عبر تواجدهم متعدد المواقع والأدوات الدفاعية، من خلال الاتفاقيات المنسقة والتي ترعاها معظم حكومات الدول المؤثرة في الإقليم، وقد تطابقت هذه النظرة حتى في أحلك الظروف الأمنية مثل نشوء تنظيم داعش الإرهابي وتفشي فيروس الاحتجاجات في الدول العربية، فكانت النتيجة وجود تحالف دولي لمحاربة هذا التنظيم، وعملا في بقية الدول العربية

مرجعياته أخماس وأسداس من الحلفاء الدوليين ومندوبيات الأمم المتحدة؛ هذه الحالة خلقت وتخلق حتى الآن مناخا إيجابيا للقوى المتنافسة كونها تحقق نوعا من الاستقرار السياسي وإن كان بأقل معاييره؛ لولا وجود تفسير آخر لمفهوم الأمن الإقليمي عند أكثر القوى مشاغبة، وهي إيران بالتأكيد، هذا التفسير بذاته يعد أكبر سببيات ترسيب عوامل عدم الاستقرار في المنطقة، وبالتالي الحيلولة دون الارتقاء بمستوى التعاون الأمني الإقليمي.

فإيران تعارض الوضع الراهن بشدة وتسعى إلى استبداله بنظام أمني إيراني المنشأ، في محاولة منها لثني الأطراف الدولية -لا سيما الولايات المتحدة- عن كونها عاملا مهما في موازنة التنافس الإقليمي، ومحاولة أيضا لتفتيت الدعائم الجيوسياسية والاستراتيجية التي تحظى بها بقية القوى، لا سيما السعودية ومنظومة الخليج من خلال علاقاتها مع هذه الأطراف، أي أنها تريد الركوب المجاني للدول المؤثرة بمحيطها في مركبتها الأمنية، وقد تجلت هذه النظرة فيما يسمى بـ»مبادرة هرمز للسلام» وفي تواتر الدعوات العراقية لخروج القوات الأجنبية من العراق أيضا، بينما عقدت الأطراف الدولية العزم على

تحويل هذا الإقليم من مصدر تهديد للأمن الدولي إلى مساهم وشريك في استقراره منذ أحداث 11 سبتمبر، وما يلفت الانتباه حقا في هذه الأيام هو حراك ثلاث دول عربية، والذي قد يكون متجها نحو تشكيل نظام أمن إقليمي قد يكون بالتعاون مع إسرائيل.

وبالمناسبة، يكثر الحديث في أواسط المحللين والمراقبين هذه الفترة عن الصدوعات التي تعاني منها العلاقات الأمريكية مع العديد من الفواعل الإقليمية، وعن تطور العلاقات الخليجية مع كل من الصين وروسيا أيضا، وهذا من شأنه تبديد آمال النظرة الإيرانية في تفسير الأمن الإقليمي؛ لذلك لا بد للقوى الإقليمية الآن من إيلاء هذه القضية اهتماما ضحلا لتتوصل إلى بناء نظام أمن إقليمي كلي لا يجزئ مجاميع الأمن الوطني لتلك القوى، وفي نفس الوقت قادر على أن يكون عمليا وتنفيذيا أيضا، خاصة وأن هناك حالة لافتة من التشابه البنيوي بين هذه القوى كما هو واضح في المجال الاقتصادي مثلا، ولا بد

أيضا أن تضخ مراكز التفكير والمراكز البحثية مقاربات ورؤى ترفد بها هذه الجهود.