صهيب الصالح

الوحدة أم الانفصال في اليمن؟

السبت - 23 أبريل 2022

Sat - 23 Apr 2022

يقال «عدن الشخص بلدا» بقصد التعبير عن التوطن والإقامة فيه، ولهذه المدينة نصيب كبير من اسمها، إذ احتلتها بريطانيا عام 1839م وهي تحت حكم سلطنة لحج، ويقول معظم المؤرخين الغربيين إن سبب الاحتلال هو غرق السفينة البريطانية «داريا دولت» التي تحطمت بالقرب من خليج عدن قبل ذلك التاريخ بحوالي عامين، نتيجة أعمال نهب وسلب لحمولتها من قبل العدنيين، وقد سبق البريطانيين إليها سليمان القانوني محاولا جعلها مخزنا للحماية البحرية من البرتغاليين والبريطانيين، كما كانت نقطة صراع الممالك العائلية الصغيرة لمدة قرنين قبل ذلك، وبعد توالي الأحداث دخلت جنوب اليمن في حرب أهلية طاحنة نتيجة استقالة حاكم عدن السير تشارلز جونستون، وحتى إعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1967م.

أما ما اصطلح على تسميته باليمن الشمالي فقد ظل تحت الاحتلال العثماني ثم خضع لحكم ديني يُلزم طاعة الإمام في المملكة المتوكلية آنذاك وحتى سقوطها في 1962م، وهي الفترة التي اتسمت بعدم الاستقرار السياسي التي امتدت حتى توقيع اتفاقية الوحدة عام 1990م، وكانت هذه المملكة تحاول تقديم إمامها ككيان ممزوج بين الإنسان والإله لتضفي على إمامها هالة قدسية تحول دون محاولة عصيانه.

وما زالت عدن تحتفظ بأهميتها الاستراتيجية كونها تقع على أعتاب بحر العرب وبالقرب من البحر الأحمر والساحل الشرقي الأفريقي مما يتيح للقوى الخارجية إرساء سفنها في هذه القواعد للانطلاق منها إلى المحيط الهندي ومد نفوذها إلى الخليج العربي، وهي بهذه الأهمية إذ دفعت الحكومة الشرعية إلى أن «عدنت» فيها منذ الانقلاب الحوثي وتقديم نفسه في الشمال في بداية الحرب الأهلية في اليمن كحاكم بالحق الإلهي مرة أخرى امتدادا لأسطورة «كسرى أعظم الآلهة وسيد الأرض» التاريخية، وآية الله الولي الفقيه المعاصرة.

وقد أثارت الحرب الأهلية في اليمن نعرات الانفصال لدى أبناء الجنوب وأظهرت أمام الملأ نقاط الخلل في مشتركات الفكر والوجدان وفي صلابة تكوين المجتمع اليمني بعد الوحدة؛ نتيجة معاناة اليمن من أزمة الولاءات التحتية والفوقية في آن واحد، فهناك الولاء الحوثي العابر للحدود والمرتمي في أحضان مؤسسة الولي الفقيه، وهناك في بعض الحالات تقدم القبيلة مصلحتها على المصلحة الوطنية بل وتساوم عليها أحيانا، وهناك حالات أخرى تتجاوز فيها مصلحة المنطقة المحلية أو الأقاليم المصلحة الوطنية كذلك، وهكذا دواليك من الأسباب التي تعرقل التوافق الجماعي ولا تمهد لأي اتفاق على أهداف مشتركة تحت مظلة وطنية واحدة.

إن من أكبر التهديدات التي ستواجه اليمن حال الانفصال هو امتداد نزعة التمرد الانفصالية لتشمل أجزاء أخرى من الشمال والجنوب معا، وهذه النزعات ستجد لها من يدعمها من المحيط الإقليمي والدولي مما لا يبشر بأي حل سياسي على المدى القريب؛ فإيران تسعى علانية إلى تهديد العمق الخليجي من خلال محاولاتها الهيمنة على الدول المجاورة لدول الخليج، وجنوب اليمن يعد خيارا مناسبا لها على اعتبار أن إيران ستعزل جنوب اليمن عن الحدود السعودية من خلال الانفصال، وتطوق بذلك اليمن كليا بل وتتحكم في موارده ومصدر حياته وتساوم أبناءه عليها وتمنعهم من التعاون مع دول الخليج.

اليوم لا تغرق سفينة «داريا دولت» في خليج عدن بل تعوم سفينة «صافر» قبالة ساحل الحديدة تنتظر أطرافا خارجية غرقها، كذلك ليس لدى الجنوب وصي بريطاني أو والٍ عثماني لكن لديهم نزعة انفصالية أثناء صعود الإنسان الممزوج مع الإله في الشمال، وفي المحصلة اليمن اليوم ليست منفصلة جغرافيا وليست موحدة اجتماعيا، لذلك سيبقى السؤال قائما حتى تقرر القوى اليمنية تقييم وطنيتها من أسس واقعية وجادة انطلاقا من مجلس القيادة الرئاسي.

@9oba_91