صهيب الصالح

الأزمة الأوكرانية.. من الحياد إلى حتمية التعاون

السبت - 09 أبريل 2022

Sat - 09 Apr 2022

اتخذت الكثير من الدول في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى موقفا محايدا من الحرب الروسية الأوكرانية رغم ضغط المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لحشد المزيد من الانحياز إلى الجانب المعادي لروسيا، وهذا الموقف الضاغط يستمر على ما تبقى من إيقاعات الانتصار على الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة، لكنه حتى الآن لم ينجح في كسر حالة الحياد الرافضة للاصطفاف، وفي تفسير ذلك ذهبت معظم التحليلات إلى أن تراجع الدور الأمريكي في المنطقة نبّه هذه الدول إلى الحرص على عدم إغضاب الروس تحسبا لأي موقع في المنطقة سيمتد إليه نفوذهم مستقبلا، لكني أذهب إلى تفسير آخر لا ينظر إلى مبدأ الخوف هذا؛ بل ينطلق من أن الروس يعرفون جيدا أن بلادهم أصبحت روسيا الاتحادية التي بناها ويقودها بوتين، وليست الاتحاد السوفيتي رغم عدم نسيانهم مرارة تلك الهزيمة.

منذ اجتياح روسيا لأوكرانيا أواخر فبراير الماضي، لم تحاول روسيا حشد الدول والمنظمات الدولية إلى الانحياز إلى جانبها، رغم قدرتها على ذلك إذا ما اعتمدت مثلا سياسة العصا والجزرة تجاه بعض الدول التي تعتمد اعتمادا كبيرا على روسيا مثل بعض الجمهوريات السوفيتية الهشة، لكن من خلال تتبع مواقفها السياسية يتضح أنها بدلا عن ذلك أخذت تعبر عن امتنانها وتقديرها العميق لأي دولة ظلت محايدة ولم تنحز إلى العالم الغربي المعادي لروسيا، وفي هذا تطبيق واضح لأبرز ما تقوم عليه السياسة الخارجية الروسية من خلال تحفيز الدول على الاستقلال عن العالم الغربي أو معاداته إن حصل؛ بهدف زعزعة الهيمنة الغربية على الشؤون الدولية وتخفيف إدارتهم لها، وهي في هذا المجال خاصة تجد دعما لا محدودا من الصين التي تشترك معها في المسعى ذاته.

أما اجتياح روسيا لأوكرانيا عقب موجة من التسريبات الاستخبارية الغربية، والتحذيرات المتكررة والصارمة من فرض عقوبات من شأنها أن تعزل روسيا عن المجتمع الدولي؛ فتؤكد أن ما تبحث عنه روسيا ليس استقرارا داخليا ونموا اقتصاديا وحسب، بل أرادت أن تفرض على المجتمع الدولي احترام سيادة روسيا الاتحادية والمعاملة معها بتكافؤ من خلال الاعتراف بحقها في تحقيق أمنها الإقليمي في منطقة أوراسيا، وعدم السماح للناتو والاتحاد الأوروبي بتطويق هذه الجغرافيا؛ لذلك تراها روسيا معركة وجودية تهدد البقاء الروسي ولا خيار فيها.

إن الامتنان الروسي للدول المحايدة جاء نظير تقديم هذه الدول للروس مساحة مادية -خاصة في أوروبا- تفصل الجغرافيا الروسية عن خصومها، وبالتالي تهدئة المعضلة الأمنية التي تراها روسيا مهددة لحقها في البقاء، واللافت للانتباه أن عدد الدول التي تعتبر نفسها غير منحازة لأي قوة رئيسة يتجاوز 120 دولة منها ما يقارب 50 دولة محايدة في الحرب الروسية الأوكرانية، في الوقت الذي تشهد فيه الديمقراطية تراجعا في كل أنحاء العالم لم يسبق له مثيل منذ 2004 بحسب مؤشر بيرتلسمان لهذا العام، إذ شابت الكثير من الديمقراطيات عيوب في التسلط الاقتصادي والتعددية السياسية من ناحية، مثلما حصل في تركيا وتونس، وصعود الموجة اليمينية الشعبوية من ناحية أخرى في القارتين الأمريكية وفي آسيا أيضا مثل الهند والفلبين، واستمرار الحرب في أوكرانيا وقتا أطول كفيل بفرز المزيد من الحياد الذي سيؤدي بالضرورة إلى حتمية زيادة مستوى التعاون بين روسيا والدول المحايدة مستقبلا.

@9oba_91