طامي الشمراني

الأسطورة والشعر

الاثنين - 04 أبريل 2022

Mon - 04 Apr 2022

ثمة أسئلة كثيرة تطرح عند تناول العلاقة بين الأدب والأسطورة عموما، تصب في مجملها في نقاط الالتقاء والانفصال، وفي مدى قدرة الأسطورة على أن تكون مكونا أو مرجعا رئيسا في البناء الشعري الشاهق، وفي مده بالرؤى والتشكيلات اللغوية، وإذا انطلقنا من أن الأسطورة هي ضرب من ضروب النشاط الفكري، فإنها تشترك بهذه الميزة مع الأدب، فبعيدا عن التعريفات المختلفة والمتضاربة حول الأسطورة ومدى تحققها في أدبنا العربي، والحمولات الثقافية التي يمكن أن تندرج ضمن السياق الأسطوري، فإن هذه الخاصة ميزة للفكر البشري في كل زمان وآن في مواجهة أسئلة وجودية تؤرقه، من هنا يمكن القول إن السمة الأبرز التي يمكن أن يشترك بها الشعر والأسطورة على المستوى اللغوي على الأقل هي أنهما يشتركان بلغة استعارية تومئ ولا تفصح، وتلهث وراء حقيقة ما من دون أمل في إمساكها، أو إدراكها، فهي محاولة لقراءة الكون بطريقة أكثر إرهافا وعاطفة وذاتية.

ولعل أبرز عنصر لتداخل الأدب مع الأسطورة في أدبنا يظهر بوضوح في الحكايات ذات الطابع الشفهي الخرافي أو البطولي، وحكايات السمر التي تقوم في بنياتها الرئيسة على رواية الخوارق كما نلحظ في قصص السير التي تناولت البطولات الفردية والجماعية كحكايات الزير سالم وعنترة وغيرهما التي تروى أجداثها نثرا وشعرا بأسلوب قصصي يصعب نسبته إلى قائل محدد، فتمزج التاريخي بالأسطوري من خلال رواة خوارق تلك الشخصيات التي تفوق القدرات البشرية.

ومن ذلك النمط الذي ينطوي على أبعاد أسطورية ما يعرف بالحكاية الطوطمية، وهي الحكايات التي تدور على ألسنة الحيوانات، وهذا الأدب وإن كان يضمر دلالات رمزية متعددة تجعل من الرواية على ألسنة الحيوانات تشفيرا دلاليا، إلا أنها تشتمل على بعد تربوي، ويعد كتاب «كليلة ودمنة» لابن المقفع مؤسس هذا النمط في الأدب العربي، من دون أن نغفل الإشارة إلى أهمية كتاب آخر هو «رسالة الغفران» لأبي العلاء المعري، الذي تمازج فيه الخيال مع النقد مع الأدب في محاكمات شعرية نقدية فذة تركت تأثيرها في كثير من أدباء العالم مثل دانتي وملتن وغيرهما. وهو ما أحدثه الكتاب الشعبي (ألف ليلة وليلة).

لا شك أن الجامع بين هذه الأنماط الأسطورية المختلفة والمتنوعة، وبين الأدب بمختلف أجناسه، هو أنهما نتاج مخيلة بشرية تسعى للإجابة عن أسئلة الواقع التي تؤرق الكائن البشري، وبذلك تكون من مصادر مد الأدب بالعنصر الخيالي الجمالي الذي يغذي الإبداع، ومن هنا فإن توظيف أو تضمين الأسطورة برمزها العالمية المتنوعة المشارب، وتوظيف حكايتها المستمدة من حكايات التراث الشعبي القديم والحديث كان مما منح الأدب عموما والشعر خصوصا أفقا واسعا في إبداع صور شعرية مبتكرة، وفي إدخال عناصر سردية متنوعة سارت بالنص الأدبي إلى مسارب وآفاق تجديدية ما زلنا نلحظ أثرها، وما زلنا في حاجة إلى اكتشاف جمالياتها.

@tamidghilib1404