محمد النفاعي

مفهوم الصوم الإداري

الاحد - 03 أبريل 2022

Sun - 03 Apr 2022

أسلوب القصص منهج رباني ورد في القرآن الكريم والسيرة النبوية، مما يؤكد على أهمية القصص في التوجيه والتأثير المبكر والفعال على المتلقي.

من القصص الربانية قصة سيدنا زكريا في طلبه للذرية، وقصة مريم بنت عمران عند ولادة سيدنا عيسى عليهم السلام أجمعين.

في كلتا القصتين جاء ذكر الصوم بمعنى الصوم عن الكلام، ويمكن الاستدلال على هذه الصورة للصيام من القرآن الكريم، حيث يقول الله عز وجل مخاطبا زكريا عليه السلام: «قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا»، ويقول الله عز وجل في سورة مريم: «فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا».

على الرغم من أن مصطلح الصوم ارتبط في أذهاننا بالأكل والشرب فقط والدليل على ذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». ولكن في لغتنا العربية تعريف الصوم لغة هو الإمساك عن الشيء والترك له والكف عنه؛ حيث اقترن معناه اللغوي بتهذيب النفس والصبر والتوجيه التربوي وهذا مقارب لصيام زكريا ومريم عليهما السلام عن الكلام.

مما لا ريب فيه، أن كل شخص منا هو سيد نفسه ومسؤول عن سلوكه وتصرفاته أيضا. والسادة في بيئة العمل هم الأشخاص الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية أشخاص آخرين كثر عددهم أو قل. من كان مسؤولا، قد يصادف مواقف متعددة تتطلب منه استحضار ما أسميه «الصوم الإداري»، لا لضعف أو تهرب من المسؤولية ولكن لإعطاء نفسه الوقت الكافي ليتمكن من اتخاذ القرار الصحيح في الوقت والموقف الملائم وللتحكم في الأمور من حوله.

أحد أهم الحالات التي تجعل الصوم الإداري حاضرا وملزما، هو عندما يتكاثر حول المسؤول أشخاص لديهم الاستعداد للتشويش عليه بغية الحصول على مكاسب شخصية ولو على حساب المصلحة العامة، القلة من هؤلاء موجودون حولنا ويعيشون بيننا، لا تحكمهم القيم بل المصلحة الشخصية حتى لو اضطروا لإيذاء الآخرين، ويتمحور أسلوبهم على التشويش على المدراء ونشر الشائعات وكثرة القيل والقال، للتقرب من المسؤولين وإلحاق الضرر بزملائهم.

هنا من المأمول أن يكون «الصوم الإداري» حاضرا وعدم الانجراف معهم إلى أن يتم التأكد مما يُستقبل من معلومات.

من المواقف الأخرى التي تتطلب ممارسة الصوم الإداري، هو عند الاستماع للآخرين، من أهم صفات القائد الناجح الاكتفاء بالإصغاء بغية الفهم والتقليل من الكلام، حيث إن الحديث المستمر والمبالغ فيه مدعاة لشكاوى الموظفين عن مدرائهم.

هذا يذكرنا بالقانون الحادي عشر من كتاب جون سي ماكسويل «21 صفة لا غنى عنها في القائد» وهو قانون الإنصات لكي تصل لقلوب الآخرين استخدم أذنيك.

يقول جون ماكسويل «إن القائد الجيد يشجع أتباعه على أن يخبروه بما يحتاج لسماعه لا بما يود سماعه». ولممارسة الصوم الإداري باحترافية من الضروري التعرف على أنواع الأشخاص المستمعين داخل المجتمع الوظيفي الذين ذكرهم الأمريكي ديل كارنيجي في كتابه «أنصت! فن التواصل بفاعلية» باختصار شديد هم: المشغولون البال، الشاردون الذهن، المقاطعون للحديث، اللامبالون، الهجوميون، المحللون وأخيرا المتفاعلون.

أتذكر في بدايتي كمدير وأثناء عرض توضيحي طلبته من مدير المشروع، قاطعته أثناء شرحه لنقطة كنت أعرفها تماما تعاطفا معه ولاعتقادي أن هذا يشكل دعما له، تفاجأت بعد الاجتماع أن الموظف قال لي إنه لم يكن سعيدا بتصرفي وهذا سبب له الإحراج أمام الجميع، هنا تعلمت درسا في أهمية معرفة توقيت ممارسة الصوم الإداري.

نختم بالتأكيد على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمرنا بالسكوت مطلقا، وإنما أمرنا بالسكوت إذا كان الكلام لا خير فيه، وأمرنا بالكلام إذا كان الكلام خيرا؛ فعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» رواه البخاري ومسلم.

وكل عام والجميع بخير.

@msnabq