محمد الصلاحي

ليلة انطلاق عاصفة الحزم.. كيف عشناها؟

الاحد - 27 مارس 2022

Sun - 27 Mar 2022

كانت ليلة صعبة، بلغت فيها القلوب الحناجر، وعصم الناس على أفئدتهم خوفا من المجهول القادم الذي ينتظرهم، وهم يرون الطوفان الميليشيوي يلتهم المحافظات، محافظة تلو أخرى، بعد سقوط صنعاء دونما مقاومة تذكر، سقطت صنعاء فتبعتها المحويت وريمة والحديدة غربا، ثم ذمار، فالبيضاء، وإب، ثم تعز الذي واجه الانقلاب فيها مقاومة لم تكن كافية لإيقافه، وربما صدمة الناس بسقوط الدولة في صنعاء أقعدهم عجزا عن القيام بأي تحرك.

أعطى السقوط السريع والمريع لمحافظات الشمال دافعا أكبر للميليشيات في التوجه العاجل إلى محافظات الجنوب، وهكذا كان المخطط، وعند وصولها إلى الجنوب واجهت الميلشيات مقاومة شعبية متحمسة، غير أنها لم تكن في بادئ الأمر منظمة، قبيل انطلاق العاصفة، إذ وقعت المقاومة بين كماشتي الميليشيات القادمة من اتجاه الشمال والمعسكرات المحسوبة على الرئيس السابق صالح والمتواجدة في الجنوب التي أعلنت تأييد للانقلاب، وينتمي أفرادها إلى مناطق شمال الشمال التي تمثل الخزانة البشرية لقوى الانقلاب.

أحداث متسارعة التهم الانقلاب فيها سبع محافظات، وسيطر على أجزاء واسعة من محافظات (عدن، أبين، لحج، شبوة، الضالع) في الجنوب، لم يكن لدى أحد من الناس متسع لسماع حديث تطمين عن حدث يرى حصوله مستحيلا، كانت الأعصاب مشدودة، والأعين مشدوهة، والعقول مشتتة ومشوشة، وفي تلك الليلة التي سبقت عاصفة الحزم بيوم كتبت منشور قلت فيه بالنص: يوم غد سيحدث تدخل جوي عاصف، سيستهدف المطارات المستخدمة عسكريا، المعسكرات، التعزيزات، الأرتال البشرية العسكرية، الطرقات الفرعية المستخدمة للتعزيزات... إلخ، كان المنشور يحمل إشارات كتبتها عن تحليل لواقعة كنت متأكد من حدوثها عاجلا، ومن قرأه ورأى ما حدث سيعتقد بعلمي المسبق له، كان المحتوى يوحي وكأنني أعرف قرب انطلاق العاصفة وأهدافها، فذكرت توقيتها (اليوم التالي أي يوم العاصفة)، وكيفيتها (تدخل جوي) ومسماها ضمنيا (جوي عاصف)، والأهداف (سردتها بالتفصيل من خلال أربع نقاط).

قوبل منشوري برفض الناس المتعبة مما يحدث، والمتخوفة مما تراه يحصل أمام أعينها، مضت ساعات قليلة، كانت بالنسبة لهم كأيام وأشهر، وأصعب في أحداثها، غادر النوم أعين الجميع وهم يرون بلدهم يذهب إلى المجهول، وحل عوضا عنه القلق والخوف، كانت الناس تتابع الأحداث بوجوه عابسة، وعيون خائفة، وقلوب تائهة، تنظر بيأس إلى ما يحصل، وترقب ببؤس ذلك المستقبل الأسود الذي ينتظر اليمن!

ثم كانت المفاجأة، بيان عاجل في الساعات الأولى من صبيحة السادس والعشرين من مارس على شاشات القنوات، يشير إلى حدوث تدخل عربي بقيادة المملكة العربية السعودية من خلال عمليات جوية تلبية لطلب الرئيس اليمني، وهنا تبدل الحال، فهذه اللحظات أذهبت القلق الذي عاشه الناس، وأمضى الكل ساعات ذلك اليوم في ذهول مبهج أمام الشاشات لمتابعة حصاد الطائرات من أفراد وأرتال وقوات الميليشيات، ويا لهذا السيناريو، فمن صدمة السقوط التي بدت واقعية، إلى صدمة أخرى أفاق الناس فيها على واقع مختلف!

كانت لحظات لا توصف عاشها الناس ما بين ساعة وساعة من النقيض إلى النقيض، ولو قُدّر لكل شخص أن يعبر عن تلك اللحظات لاكتفى بالقول: كانت الدموع سيد الموقف حزنا وألما في ساعات ما قبل العاصفة، وفرحا ما بعد انطلاقتها، ولا أكتب هنا لاستعراض تجربة كان طرحي فيها تجاه حدث كبير كهذا دقيق لدرجة لا أحد يتوقع مثله، بقدر ما أتناول كيف عاش الناس تلك اللحظات التي لا يمكن وصفها.

مثلت عاصفة الحزم حدثا فارقا، حال دون تحول اليمن إلى محافظة إيرانية، وخنجر في خاصرة العرب الجنوبية، مضت الكثير من سنوات العاصفة، ومضت معها الكثير من المخاوف الشعبية، وتحطمت الكثير من الأهداف الحوثية، وتحررت أجزاء واسعة من اليمن، ومع دخول العاصفة السنة الثامنة يتبادر السؤال إلى متى؟

وجواب السؤال متصلا بإملاءات خارجية إيرانية تتحكم في قرار الميليشيات التي أعاقت كثيرا خيارات السلام، وأغلقت كل طرقاته، وزرعت الألغام أمام كل فرص تحقيقه، ومن بين كل المساعي والجهود الإقليمية والدولية تطل المشاورات اليمنية برعاية خليجية والساعية لوقف الحرب كفرصة مثالية لإحلال السلام في بلد أُنهك كثيرا ولم يعد في مستطاعه تحمل المزيد.

يظل السلام خيار الشعب والحكومة الشرعية، ومحل تأييد التحالف العربي، بيد أن تحقيقه يتطلب تخلص الميليشيات الحوثية من حمل الأجندة الإيرانية، ونزع عمائم قم عنها، ومواجهة الواقع بثوب يمني جديد، أو مواجهة الشعب من جديد.

@Mohamed_alslahi