عادل الحميدان

الميري وكف العفريت

الاثنين - 21 مارس 2022

Mon - 21 Mar 2022

(إن فاتك الميري تمرغ في ترابه) عبارة قديمة استوردناها من الدراما المصرية، ورغم اختفائها من قاموس الدراما إلا أنها لا تزال تعشعش في أذهان معظمنا.

والميري في القاموس الشعبي المصري إشارة إلى الوظيفة الحكومية، حيث كانت في الماضي هدف الشاب ومبتغاه الأوحد، حيث الأمان الوظيفي والوجاهة الاجتماعية.

لم يكن هذا حال المصريين وحدهم بل اشتركنا معهم في اعتبار الوظيفة الحكومية الوسيلة الوحيدة لتأمين المستقبل، باعتبار أن موظف القطاع الخاص على كف عفريت جنبا إلى جنب مع أصحاب المهن الحرة.

حتى أن مسألة الموافقة على الزواج كان يحددها الجواب على سؤال أين تعمل؟ وليس ماذا تعمل؟ فالموظف الحكومي لديه حصانة من الفصل، ويتلقى دخلا شهريا ثابتا في حياته وبعد تقاعده، يمثل ضمانا لمستقبل أسرته حتى بعد وفاته.

هذا بالضبط ما كنا نسمعه في شبابنا وأثر على قرارات الكثير منا حتى في التخصص الدراسي فالمفضل هو ما يضمن الوظيفة الحكومية لا غير، والمستقبل المشرق بعد حفظ الله وستره يكمن في العمل الحكومي وليس سواه.

نعود إلى فوائد العمل في الدولة فهي لا تكتمل إلا بالعبارة الشائعة (ثنتين ونص وأنت في البيت) والتي تداعب القلوب وتغطي كافة العيوب، وتجعل من المميزات الوظيفية لكبريات الشركات مجرد علاج لخلل فيه، فالقطاع الخاص لا يرحم بل ويعامل الموظف كالعبد يعمل حتى الرابعة أو الخامسة عصرا، أو أن طبيعة العمل مناوبات، وربما يمتد إجرام صاحب العمل إلى جعل الدوام فترتين صباحية ومسائية!

أي شاب أو شابة تجاوز الأربعين من العمر يعرف حتما هذه العبارات وربما أكثر عن فوائد العمل الحكومي ومضار العمل في القطاع الخاص، حتى بلغ التكدس الوظيفي في قطاعات الدولة ذروته، يقابله أرقام ضئيلة للسعوديين في مؤسسات القطاع الخاص.

اتجه الأبناء والبنات إلى القطاع الخاص وأعينهم تفيض من الدمع على صعوبة الحصول على وظيفة حكومية، وهنا حدثت الصدمة فالمؤهل الذي كان مفتاح الدخول إلى عالم الوظيفة الحكومية من أوسع أبوابها لا يجد أي رواج في سوق القطاع الخاص، فالشركات الصناعية الكبرى أو شركات التأمين أو البنوك أو الاتصالات غير معنية بالآداب أو التربية أو الاجتماع أو علم النفس وغيرها من تخصصات العلوم الإنسانية.

رغم بريق الوظيفة في القطاع الخاص إلا أن كف العفريت لا يزال حاضرا، فالمواد الشهيرة في نظام العمل كفيلة بأن تحيل حياة الموظف وأهله وعشيرته وجميع من يعرفه أو يتعامل معه في حالة توتر دائم خشية التسريح في أي لحظة.

الدمج والخصخصة لعدد من الجهات الحكومية ومعها سياسة تقويم الأداء وأهلية المرء لممارسة الوظيفة توشك أن تنهي ما تبقى من أفكار الماضي، وهذه حقيقة نعيشها ونسمعها من موظفين حولت القطاعات التي يعملون فيها، وهذا أمر مبشر بالخير وإعادة لرسم ثقافة العمل في البلاد بشكل عام، لكن ما يبدد هذه السعادة بقاء العفريت وكفه الممدود لحمل المزيد.