محمد النفاعي

هل ارتاد شعراء المعلقات مدرسة هارفارد للأعمال؟

الاثنين - 14 مارس 2022

Mon - 14 Mar 2022

المعلقات هي من أشهر ما كتب العرب في الشعر وسميت معلقات؛ لأنها مثل العقود النفيسة التي تعلق بالأذهان.

وتعد هذه القصائد أروع ما قيل في الشعر العربي القديم؛ لذلك اهتم الناس قديما وحديثا بها ودونوها وكتبوا شروحا لها.

هذه المعلقات التي كتبت قبل أكثر من ألف وخمسمائة عام قبل الإسلام، كانت وما زالت مصدر إلهام لكل الأجيال وكأنها نهر لا ينبض معينه، استخدمها ووظفها الأدباء واللغويون والمؤرخون والجغرافيون وعلماء الاجتماع في مجالاتهم المتعددة.

شخصيا أعتقد أن هناك فرصة للمهتمين بعلوم التنمية البشرية وتطوير مواردها للاستفادة منها كذلك، حيث تحتوي المعلقات على معان جميلة وصور شعرية تدعم النظريات الإدارية الكلاسيكية والحديثة أيضا، حيث وجدت أن هناك دروسا إدارية تتعلق بتطوير المهارات المتعلقة بالحياة العملية والمجتمع الوظيفي وبيئة العمل، مثل: سمات القائد الناجح، مهارة الاتصال والتواصل والعمل بروح الفريق الواحد، وأساليب القيادة، وإدارة المخاطر وغيرها.

وكما قالت العرب في الأمثال: «حسْبُك من القلادة ما أحاط بالعنق»، وهو مثل يقال في طلب الاقتصار على المفيد، سنكتفي بذكر بضعة أبيات اخترتها لتوضيح الفكرة.

يقول الشاعر طرفة بن العبد في معلقته:

ولستُ بحلاّل التلاع مخافة

ولكن متى يسترفِد القومُ أرفد

فان تبغني في حلقة القوم تلقَني

وإن تلتمِسْني في الحوانيت تصطد

الشاعر هنا يذكر أنه لا يستتر في التلاع أي -الجبال- خوفا من قدوم الضيوف عنده، بل هو متواجد دائما لبذل الرفد وهو العطاء، ويؤكد الشاعر على أنه موجود دائما إن احتاجه الناس، أي أنه كالقائد الذي يتبع «سياسة الباب المفتوح» يسهل الوصول إليه بل ومتوفر لدعم من يحتاجه ولا يتخلى عن دعم من حوله.

أتذكر في أحد الاستفتاءات التي أجريناها داخل المؤسسة التي عملت بها، أنه كان هناك محور عن نقاط الضعف للقادة، وجدنا أن الموظفين ذكروا أنهم لم يشعروا أن قائدهم كان في متناولهم على الإطلاق أو ما يكفي تقريبا للمساعدة عند الحاجة له.

أما من معلقة شاعر الحكمة زهير بن أبي سلمى اخترت هذه الأبيات:

وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ

وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ

وَمَن يَكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضلِهِ

عَلى قَومِهِ يُستَغنَ عَنهُ وَيُذمَمِ

وَمَن لا يُصانِع في أُمورٍ كَثيرَةٍ

يُضَرَّس بِأَنيابٍ وَيوطَأ بِمَنسِمِ

وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ

يَفِرهُ وَمَن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ

هنا الشاعر يؤكد على أن الخلق والسلوك والصفات التي يحملها الإنسان لا بد أن تظهر ولو بعد حين، حتى لو ظن صاحبها أنه يخفيها على الناس، وذكر أن من التخلق بالأخلاق العالية المشاركة بما تملك مع من حولك سواء كنت ذا مال أو رأي، من يتقوقع على نفسه فسيستغني الناس عنه بل قد يذمونه، وهذا حث على التكاتف والتعاون بين أفراد الفريق الواحد، أيضا يدعو إلى أن الحياة لا تستمر بغير المصانعة والمجاملة والمداراة والترفق في المعاملة وإسداء المعروف؛ لأن من لم يفعل ذلك لن يصبر الناس عليه فيكافئوه بالمعاداة.

ولتبيان أهمية هذه المعاني عند القائد بالنسبة للمرؤوسين على مختلف المستويات داخل المنظمة، نشرت هارفارد بيزنس ريفيو دراسة شملت 195 قائدا من أكثر من 30 منظمة عالمية مضمونها ما الذي يصنع قائدا فعالا؟

حيث طُلب من المشاركين اختيار أهم 15 كفاءة وسمة قيادية من بين 74 كفاءة قيادية اختيرت بعناية تامة، وجاء في المرتبة الأولى المعايير الأخلاقية العالية، حيث التمتع بمعايير أخلاقية عالية ينقل للجميع الالتزام بالعدالة ويغرس الثقة بينهم وهذا ما يؤدي إلى الولاء للمؤسسة واحترام قيمها، بعد ذلك جاءت أهمية أن يوفر القائد الأهداف والغايات مع المرونة عند التوجيه وأيضا الوضوح في التوقعات والالتزام بالتدريب والشفافية وتقبل الآراء والاهتمام بتطوير الصف الثاني.

على أية حال، الشعر الجاهلي وخاصة المعلقات أحد أهم الخصوصيات التي تميزنا بين الشعوب الأخرى؛ لأنها تبرز عمق ثقافتنا وتراثنا؛ فهي تعبر عن فكرة عميقة المغزى تشترك البشرية في مدلولاتها التي تصلح لكل زمان ومكان.

@msnabq