بندر الزهراني

نقد القضايا الأكاديمية ظاهرة صحية!

الاثنين - 14 فبراير 2022

Mon - 14 Feb 2022

سبق وأن قلت في أكثر من موضع: أن تقبل النقد الأكاديمي على اختلاف منطلقاته وتباين مستوياته وتنوع ميول أصحابه يعكس رقي المتحاورين أنفسهم، ويعطي شعورا بالرضا وانطباعا جميلا لدى المتتبعين والمهتمين بالقضايا الأكاديمية المطروحة للحوار والمناقشة، فضلا عن أن تقبل النقد يعد قيمة حضارية وميزة للمجتمعات الأكثر ثقافة وتنوعا فكريا، والأكثر مرونة وقابلية للتغير الإيجابي والتطور والنماء، ولا زلت عند هذا الرأي برغم صعوبة إقناع المخالفين النافذين والأعداء على حد سواء.

مع أنني لا أحبذ استخدام لفظ (عداء) مع المثقفين والأكاديميين، وأرى أن كل العداوات يمكن أن تتحول إلى صداقات، خاصة إذا ما حضر الحوار الصريح وارتقى لموضعه الصحيح، وللدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- نصيحة في هذا الشأن، حيث يقول (الذي يريد الإصلاح يجب أن يهيئ نفسه لعداء كبير جدا، ولهجوم كبير جدا، ويحسن به كي لا يفقد عقله أو يفقد اتزانه أن يتذكر أن الموضوع ليس شخصيا، صحيح أنه قد يتخذ طابعا شخصيا، ولكنه في الواقع ليس كذلك، [ومن يعاديك] هو لا يكرهك أنت، بل يدافع عن موضع اكتسبه في ظل وضع معين، ولا يريد له أن يتغير).

كاتب الرأي الأكاديمي حينما يكتب رأيه في قضية أكاديمية ما، تتعلق بالإدارة الجامعية أو تتعلق بالأبحاث العلمية والشؤون التعليمية عموما، إنما يكتب وهو متجردا من عواطفه الشخصية، مبتعدا عن المجاملات المعنوية والشكلية، ولا يبقى أمامه إلا الوطن وقيادته، وهما بالنسبة له أولوية، وخط أحمر لا يقبل تجاوزه، ويعلوان عنده فوق أي شيء آخر، وعندئذ يكون نقده خالصا وصادقا، ولا يرجو به إلا إظهار الحقائق وتصحيح الأخطاء، خاصة إذا ما تحرى الدقة، واتبع منهج التثبت والاستقصاء، حتى ولو تعرض للمضايقة في عمله أو تعرض للإساءة المباشرة من رئيسه، فإنه يظل صامدا قويا في سبيل المصلحة العامة وحسب.

من الإشكالات الكبيرة التي تعاني منها بعض الإدارات الجامعية الخوف من النقد، وهذا الخوف - من وجهة نظري - ناتج عن أمرين: شعور الإدارة بالكمال المطلق، ولأن هذا أمر مستحيل، تصاب عندئذ بالعجب والغرور، وتكون المحصلة أنها ترفض كافة أشكال النقد، وتسخط على الناقد الحر، ولو كان الأمر بيدها لمنعته عن نقدها، فلا تجد بدا إلا وتنفجر ألما وصراخا في دائرتها ومحيطها الخاص، وإذا ما وضعت أمام الأمر الواقع لاذت بالصمت والفرار أو تظاهرت بالسمت والوقار؛ وإما أن يكون خوفها بسبب التقصير في أداء العمل، أو تورطها في شبه فساد إداري، أو ضعف كفاءتها الإدارية وقدرتها المهنية، وعندئذ تصاب بفقدان الثقة وفرط القلق والاضطراب.

وبغض النظر عن وضوح الكاتب أو غموضه في نقده، أو الاكتفاء بالتلميح دون التصريح لئلا يقع تحت طائلة القانون أو وطأة الظنون، وبغض النظر عن الأوضاع النفسية للإدارات الجامعية، سواء كانت إدارات شجاعة في مبادلة الكلمة بالكلمة والفكرة بالفكرة أو كانت متوارية خلف الأوهام والأحقاد والتشكي هنا وهناك، يظل النقد ظاهرة صحية في المجتمعات العصرية، بل إن الدولة -رعاها الله- أعطت المواطن البسيط فضلا عن المثقف الفيلسوف حرية الرأي والتعبير، وكفلت له بالأنظمة والقوانين تحقيق هذه الميزة الإنسانية والفضيلة المجتمعية.

إن حرية طرح الآراء ووجهات النظر في القضايا الأكاديمية مظهر من مظاهر حرية الرأي والتعبير، بل إنني أرى ذلك جانبا من جوانب «سياسة الباب المفتوح» التي هي في الواقع كما يقول خادم الحرمين الشريفين حفظه الله (مظهر من مظاهر الحكم في المملكة وصورة صادقة للعلاقة بين ولاة الأمر والمواطنين)، وما دام أن هذا المنهج القويم هو منهاج قيادتنا الرشيدة في سماع الآراء والنقد الهادف الموضوعي فلن تنجح الإدارات الجامعية المغرورة أو القلقة (إن وجدت) في محاولاتها البائسة لتغييب أصوات النقد الأكاديمي المتزنة.

من وجهة نظري البسيطة، أرى أن أي حركة بناء أو تطوير في المجال الأكاديمي يغيب عنها النقد الصريح والموضوعي الهادف تفشل أو تتعثر، لأن النقد الصريح الشفاف هو المرآة الحقيقية التي لا تكذب ولا تنافق، وأحسب نفسي ذلك الناقد الوطني الذي لا يرجو إلا أن يسمو بفكره ونقده، وأن يرى وطنه وقيادته ينالان ما يستحقانه من العزة والشموخ والمكانة الرفيعة التي تليق بهما.

@drbmaz