ياسر عمر سندي

رحلة الشتاء والصيف

الأربعاء - 09 فبراير 2022

Wed - 09 Feb 2022

من باب الدردشة تحدث لي أحد الزملاء ويبدو أنه كان متعجبا من ردود الأفعال اللفظية والفعلية والإيمائية الصادرة من زوجته؛ حيث بدأ يرصد ويتابع تلك التغييرات والفروق الكبيرة بين الحالتين في فترتين يسافران فيها بحسب جدولة الإجازات؛ الفترة الأولى من منتصف شهر ديسمبر لبداية يناير، والثانية من منتصف أغسطس إلى نهايته من كل عام.

في علم النفس هنالك اضطراب يطلق عليه «الاضطراب العاطفي الموسمي» SAD Seasonal Affective Disorder هذا العَرَضْ يصيب الرجال والنساء في مختلف المراحل العمرية؛ كما أنه يصاحب بعض الشخصيات كثيرة الحساسية أو من يطلق عليهم «العاطفيين» ويتدخل كثيرا في تغير المؤشرات السلوكية الشخصية مع ذواتهم وأيضا مع الآخرين في التعاملات ويلاحظها تحديدا الأزواج بين بعضهم البعض والمقربين من الأصدقاء أو زملاء العمل.

بطبيعة الحال هنالك فرق كبير في الشخصيات والسلوكيات بين من يعيش في الدول الأوروبية والشرق أوروبية التي تتدنى فيها درجات الحرارة إلى ما دون درجة الصفر بمراحل كبيرة وتتساقط فيها الثلوج بكميات وفيرة على مدار أشهر، وبين الدول الشرق أوسطية التي تعتدل فيها درجات الحرارة على مدار السنة.

هنالك أعراض اضطرابية في العواطف ترتبط كثيرا بفصل الشتاء وربما تؤدي إلى الاكتئاب في هذا الموسم بسبب خلل في الساعة البيولوجية مما يعرقل عمل الإيقاع اليومي المعتاد لانعدام تشبع الجسم بأشعة الشمس ورؤية ضوئها لفترات طويلة؛ الأمر الذي يلعب دورا هاما في خفض مستويات هرمون «السيروتينين» الذي يؤثر على النواقل العصبية في المخ مما قد يؤدي إلى الركون للوحدة والعزلة وعدم الرغبة في التشارك المجتمعي.

يتضح ذلك في كثرة النوم والكسل وخدر الأطراف وعدم الرغبة في التحرك أو الخروج من المنزل أو عمل أي نشاط ويتزامن مع تلك الأعراض الظاهرية إقبال على تناول الأطعمة النشوية والسكريات بكميات كبيرة مما يتسبب في زيادة الوزن؛ كذلك يؤدي إلى الإقلال من شرب الماء ويعطي شعورا بفقدان الحيوية والنظارة وتغير الحالة المزاجية للإنسان بسبب عدم الاتزان والشعور بتدني الحالة النفسية.

على النقيض من ذلك فإن أعراض الاضراب العاطفي المرتبط بفصل الصيف وكثرة أشعة الشمس في بعض الدول تؤدي إلى عدم الاستقرار في معدلات النوم والذي يطلق عليه الأرق الليلي بسبب تأرجح مستوى هرمون «الميلاتونين» الذي يلعب دورا جوهريا في تنظيم النوم واعتدال المزاج؛ مما قد يؤدي إلى عدم الرغبة في الأكل وتقطع فترات تناوله وكمياته أيضا.

مما يلاحظ في هذه الفترة انخفاض معدل الوزن العام والإحساس بالاختناق والشعور بالضيق وربما يعتري بعض الشخصيات الشعور بالتوتر وعدم الراحة وقد يؤدي إلى حدوث انفعال الغضب؛ لذلك تكثر المشكلات والتعديات في الشوارع وملاحظة ارتفاع نسب الشجار والعراك المجتمعي الناشئ من القلق وعدم التقبل وفقدان السيطرة؛ كما أن مؤشر الخلافات الزوجية ومعدل الطلاق يرتفع بهذا الموسم.

ما أنزل الله من داء إلا وأنزل معه الدواء؛ وربما في علاج الاضطرابات العاطفية للمواسم يحتاج الأمر إلى الكثير من التبصر والاستبصار والاستعداد خصوصا أن الإنسان يعرف نفسه أكثر من غيره؛ هناك ما يسمى بـ»العلاج الضوئي» وهو التعرض لمصابيح تشبه أشعة الشمس يمكن أن يمارسه الشخص في منزله أو مكتبه لفترات متفاوتة.

كما ينصح عدم استثارة النفس بالخوض في الجدال العقيم أو التعرض لما قد يستفز الذات من بعض الشخصيات والإكثار من تناول شرب الماء الذي يعيد التوازن النفسي والجسدي للاستمتاع أكثر في رحلتي الشتاء والصيف.

@Yos123Omar