عبدالله قاسم العنزي

مفهوم أوامر الأداء

الأحد - 23 يناير 2022

Sun - 23 Jan 2022

ليس كل ما يصدر من المحاكم التجارية يعتبر عملا قضائيا ينتهي بحكم قضائي، فهناك أعمال أخرى لا يصدق عليها وصف العمل القضائي بالمعنى الدقيق، والتي لا يشترط فيها أن تنطوي على نزاع أو خصومة قضائية الغرض منها إصدار حكم فيها وإنما ينظرها بموجب السلطة الولائية وليس بموجب سلطة قضائية.

فالمحاكم التجارية إذا فصلت في خصومة واتبعت قواعد الأحكام العامة تكون قد قامت بأعمال قضائية فإنها تصدر أحكاما لا يجوز للقاضي التراجع عنها أو تعديلها أو إلغاءها لأنها تحوز حجية الأمر المقضي إلا باتباع طرق الطعن المقررة نظاما، أما إذا كانت مجرد اتخاذ إجراءات وقتية تحفظية أي قامت بأعمال ولائية فإنها تصدر أوامر.

ومما يجدر الوقوف عنده أن شرّاح القانون اختلفوا حول طبيعة أمر الأداء؛ فيرى البعض أنه يصدر بصدد عمل ولائي أي ضمن وظيفة ولائية يؤديها القاضي، ويبرر أصحاب هذا الرأي بأن القصد من وجوب استصدار أمر الأداء بدلا من عرض النزاع على المحكمة التسهيل على المحاكم المختصة وتوفير الوقت والجهد بمباشرة وظيفة ولائية ميسرة، وأن إجراء استصدار أمر الأداء يتم بغير مرافعة وفي غفلة من الخصم الآخر، ويبرر أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم بتشابه إجراءات استصدار أوامر الأداء -العرائض- وأن سلطة القاضي المختص بأمر الأداء هي ذات السلطة المخولة لقاضي الأمور الوقتية عند استصدار الأوامر على العرائض.

أما غالبية شراح القانون تتجه إلى أن أمر الأداء عمل قضائي، إذ يتضمن قضاء في خصومة وأنه يصدر من القاضي في موضوع دعوى رفعت بالإجراءات التي رسمها القانون لهذه الدعوى، فالقانون أوجب اتباع نظام أوامر الأداء واعتبره طريقا لرفع الدعوى استثناء عن القواعد العامة في حالة المطالبة بالحقوق الثابتة بالكتابة حتى ولو كانت عرفية، وعلى ذلك يعد طلب استصدار أمر الأداء مطالبة قضائية أمام القضاء يقضي بإلزام المدين بأداء الحق وهو قضاء قطعي ملزم فيكون عمله عملا قضائيا.

إن المطلع على نظام المحاكم التجارية يجد أن المنظم السعودي لم يعط تعريفا قانونيا لأمر الأداء إنما اكتفى ببيان الأحكام المنظمة له من حيث شروطه والإجراءات وطرق الطعن وترك الأمر إلى تعريفات شرّاح القانون، ويعرف أمر الأداء بأنه الأمر الذي يصدره القاضي المختص لما له من سلطة قضائية بناء على طلب مقدم من صاحب الشأن لأداء دين، إضافة إلى أن الأرجح من وجهة نظري أنه يعتبر أوامر الأداء عملا قضائيا وأن طلب استصدار أمر الأداء بالطريق الذي حدده المنظم هو وسيلة خاصة للالتجاء إلى القضاء للمطالبة بحق كان من المفروض أن يتم بطريق الدعوى وهي الطريق العادي للمطالبات القضائية وأن هذا الإجراء إنما هو استثناء من القاعدة العامة.

وعلى أية حال فهناك شروط شكلية لأمر الأداء نص عليها الباب التاسع من نظام المحاكم التجارية، حيث نصت المادة الـ57 استثناء من القواعد العامة في رفع الدعاوى ابتداء للدائن التقدم إلى المحكمة بطلب إصدار أمر بأداء دين بالشروط الآتية:

أولا: أن يكون حقه ثابتا بالكتابة والسبب من وضع شرط الكتابة حتى يكون بعيدا عن النزاع؛ فالكتابة في هذا الشرط لابد أن تكون كافية بذاتها في إثبات وجود الدين سواء كانت الكتابة في محررات رسمية أو عرفية ويدخل أيضا في هذا الشرط الأوراق التجارية التي فقدت صفتها كورقة تجارية.

ثانيا: أن يكون الدين حالّ الأداء واستلزم المنظم توافر هذا الشرط من أجل المطالبة القضائية بحيث لا يكون للدائن وفقا للقواعد العامة المطالبة به أمام القضاء إلا إذا كان هذا الحق حال الأداء -أي مستحقا- ويعتبر شرط حلول أجل الأداء واستحقاقه شرطا موضوعيا باعتباره شرطا لازما لاتباع أوامر الأداء أي متعلقا بالحق موضوع الأداء ويترتب عن عدم استيفاء الحق امتناع القاضي عن إصدار الأمر ويصدر أمرا بالرفض.

ثالثا: أن يكون الدين معين المقدار إذا كان نقدا أو منقولا معينا بنوعه ومقداره أو معينا بذاته تعيينا نافيا للجهالة حتى لا يكون هناك سلطة تقديرية للقاضي فبمجرد فحصه للورقة المقدمة يصدر أمرا بالأداء أو يرفضه.

ختاما: يجب أن يشعر الدائن المدين -كتابة- بطلب الوفاء قبل (خمسة) أيام على الأقل من التقدم إلى المحكمة بطلب الأمر بالأداء وتصدر الدائرة في الطلب خلال (عشرة) أيام من تاريخ قيده فإن رفضت الدائرة الطلب فيعد قرارها بالرفض نهائيا دون الإخلال بحق الدائن في رفع دعوى وفق القواعد المقررة.

ويجوز للمدين التظلم من أمر الأداء الصادر بحقه أمام المحكمة التجارية بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى خلال (خمسة عشر يوما) على أن يبين المدين أسباب تظلمه ويعد المتظلم في حكم المدعي وتراعى عند نظر التظلم القواعد والإجراءات المقررة لنظر الدعوى.

expert_55@