نمذجة التفاهة وصناعة النموذج
السبت - 15 يناير 2022
Sat - 15 Jan 2022
قبل أيام قليلة رأيت مقطعا لإحدى مشاهير «التيك توك» وهي في صالة المكتب التنفيذي بالمطار حال وصولها لتقديم حفلة غنائية، ورأيت أخرى يتم سؤالها عن مسؤولية إحدى الحكومات العربية بالمغرب العربي في توفير طائرة خاصة لتوصلها إلى حيث مكان تقديم حفلتها الغنائية، ناهيك عن رؤيتي وغيري لكثير من مظاهر الترف والاحتفاء التي تعيشها عديد من مشاهير التواصل الاجتماعي ممن يطلق عليهن تجاوزا عارضات وفنانات، بل وبعضهن ليس لهن من الأمر سوى لفظة عابرة لا قيمة لها صارت مدخلا لها لبلوغ ما بلغته من اهتمام لا يفهمه مثلي دون أن يتأمل في منطلقاته ودلالاته ومآلاته.
والسؤال: هل كل ذلك طبيعي؟ وهل ما نعيشه من بروز لهذه الظاهرة مقبول ويجب ألا نتبرم منه كمعرفيين شغلوا أنفسهم برسالة بلوغ النهضة وتحقيق قيمها؟ وهل ذلك من ملامح النهضة المعاصرة؟ وأضيف بسؤال الدكتور عثمان الصيني في محاضرته قبل أيام بكرسي غازي القصيبي للدراسات التنموية والثقافية في جامعة اليمامة حين ابتدأ محاضرته بقوله: هل للتفاهة ثقافة؟ وهل يحق لنا أن نجعل التفاهة نوعا من أنواع الثقافة؟
في هذا السياق أشير إلى تأصيل الدكتور الصيني في محاضرته بأن المجتمعات على الصعيد التاريخي قد عرفت في نظامها المعرفي الشكلين، وأقصد بهما النموذج الثقافي الرصين والمقبول والمستمد قوته من مجموعة الأفكار والخبرات التي يكتنز بها الموروث، ونموذج التفاهة المتحلل من كل ذلك؛ ودلل الصيني على ذلك شعرا ونثرا وموسيقى، مبينا بأن الأمر يكون خطيرا «حين تذوب المعايير، وتختلط حدود القيم، وتدمَّر قيمة الأشياء التي بنتها حضارات الإنسان في مختلف الأماكن على مدى آلاف السنين، ويصبح اللاقيمة هو القيمة، فالصدق قيمة، والأخلاق قيمة، والخير قيمة، والجمال قيمة، والعدل قيمة، والكل يعرف أن الكذب ضد الصدق حتى من يكذب، ويعرف أن العدل قيمة حتى حين يظلم، لكن الخطورة حين يصبح الكذب قيمة، واللاخلق قيمة، وينشأ جيل تختلط عنده الأمور فلا يميز بين القيم التي ترسخت عبر الأجيال وبنيت عليها ثقافات وحضارات وبين اللاقيمة».
وأكمل الدكتور الصيني بالقول «إن الخطورة تكمن فيما يسمى بنقطة التحول جراء تكرار وتضخيم عدد من السلوكيات، مما يحدث معه تراكم حدثي يزيد يوما بعد يوم، وتقف خلفه شبكة كبيرة تقوم بإنتاج هذا التراكم بشكل ضخم، وينشأ ما يشبه التنظيم الاجتماعي من حيث وجود مجموعة متسقة الأفكار، متشابهة السلوك، ومتوافقة الأهداف والمصالح، تعزز لبعضها، وتدافع عن بعضها، وتتبادل المصالح فيما بينها، حتى يتحول -مع هذا التراكم والضغط المستمر على أفراد المجتمع- إلى وباء اجتماعي يصيب الجميع، وأول ضحاياه أجيال لا تملك مناعة تحميها من الاختراق، ولم تكتسب حصانة من مؤسسة البيت والمدرسة والجامعة وقيم المجتمع السائدة، فتظن أن هذا هو السياق الحقيقي والحياة الحقيقية».
ويضيف بأن الأدهى والأمر حين «تنساق بعض الجهات والمؤسسات وراء هذه الظاهرة بشرعنتها للتفاهة جراء الاستعانة بالمشاهير التافهين لإجراء إعلاناتهم وبميزانيات ضخمة، وهنا يتحول التافهون والتافهات إلى نموذج ومثل أعلى جراء ما يعيشونه من ثراء وشهرة وجماهيرية فتحت لهم الأبواب ليتم استقبالهم استقبال الأبطال والوجهاء».
هكذا تكلم الدكتور عثمان وهو الخبير العارف، وليس عندي ما أضيفه على بيانه، لكني أختم بتوجيه سؤال لكل الهيئات المعنية وغيرها فأقول بقلب يعتصره الألم: أما من وقفة صارمة إزاء هذا العبث الجاري نحمي بها هويتنا ومجتمعنا ونقدم أنفسنا بصورتنا التي يجب بعيدا عن ذلك التطرف المقيت الذي كنا فيه؟
ألم ندرك بعد بأن صورتنا التي نفتخر بها ونريد أن تصبح نموذجا لأبنائنا وبناتنا هي تلك التي يعكسها سمو ولي العهد، ذلك الأمير الشاب، ذو الهمة المتقدة، والذهن الوقاد، الذي كسر كل الحواجز الصنمية، وضرب مثلا في الحركة والديناميكية، فلماذا تغفل مؤسسات الإعلام عمليا عن ذلك؟
ألم نستوعب بأن صورتنا التي نحتاج إلى تكريمها عمليا، ليتم استقبالها في مكاتب التنفيذ، وتُفرد لها الطائرات والمركبات الفارهة، وتُستقبل في أعلى المجالس والمحافل، هي في صورة أولئك العلماء والعالمات المعرفيين، وليس في صور التافهين والتافهات، فهل إلى ذلك سبيل؟
رجاء أتوجه به لكل مسؤول، وأذكره بأننا في حرب مستمرة مع عدو يريد تفريغنا من كل قيمة إيجابية، وتشويه كل محتوى صالح وجاد. والله المستعان.
والسؤال: هل كل ذلك طبيعي؟ وهل ما نعيشه من بروز لهذه الظاهرة مقبول ويجب ألا نتبرم منه كمعرفيين شغلوا أنفسهم برسالة بلوغ النهضة وتحقيق قيمها؟ وهل ذلك من ملامح النهضة المعاصرة؟ وأضيف بسؤال الدكتور عثمان الصيني في محاضرته قبل أيام بكرسي غازي القصيبي للدراسات التنموية والثقافية في جامعة اليمامة حين ابتدأ محاضرته بقوله: هل للتفاهة ثقافة؟ وهل يحق لنا أن نجعل التفاهة نوعا من أنواع الثقافة؟
في هذا السياق أشير إلى تأصيل الدكتور الصيني في محاضرته بأن المجتمعات على الصعيد التاريخي قد عرفت في نظامها المعرفي الشكلين، وأقصد بهما النموذج الثقافي الرصين والمقبول والمستمد قوته من مجموعة الأفكار والخبرات التي يكتنز بها الموروث، ونموذج التفاهة المتحلل من كل ذلك؛ ودلل الصيني على ذلك شعرا ونثرا وموسيقى، مبينا بأن الأمر يكون خطيرا «حين تذوب المعايير، وتختلط حدود القيم، وتدمَّر قيمة الأشياء التي بنتها حضارات الإنسان في مختلف الأماكن على مدى آلاف السنين، ويصبح اللاقيمة هو القيمة، فالصدق قيمة، والأخلاق قيمة، والخير قيمة، والجمال قيمة، والعدل قيمة، والكل يعرف أن الكذب ضد الصدق حتى من يكذب، ويعرف أن العدل قيمة حتى حين يظلم، لكن الخطورة حين يصبح الكذب قيمة، واللاخلق قيمة، وينشأ جيل تختلط عنده الأمور فلا يميز بين القيم التي ترسخت عبر الأجيال وبنيت عليها ثقافات وحضارات وبين اللاقيمة».
وأكمل الدكتور الصيني بالقول «إن الخطورة تكمن فيما يسمى بنقطة التحول جراء تكرار وتضخيم عدد من السلوكيات، مما يحدث معه تراكم حدثي يزيد يوما بعد يوم، وتقف خلفه شبكة كبيرة تقوم بإنتاج هذا التراكم بشكل ضخم، وينشأ ما يشبه التنظيم الاجتماعي من حيث وجود مجموعة متسقة الأفكار، متشابهة السلوك، ومتوافقة الأهداف والمصالح، تعزز لبعضها، وتدافع عن بعضها، وتتبادل المصالح فيما بينها، حتى يتحول -مع هذا التراكم والضغط المستمر على أفراد المجتمع- إلى وباء اجتماعي يصيب الجميع، وأول ضحاياه أجيال لا تملك مناعة تحميها من الاختراق، ولم تكتسب حصانة من مؤسسة البيت والمدرسة والجامعة وقيم المجتمع السائدة، فتظن أن هذا هو السياق الحقيقي والحياة الحقيقية».
ويضيف بأن الأدهى والأمر حين «تنساق بعض الجهات والمؤسسات وراء هذه الظاهرة بشرعنتها للتفاهة جراء الاستعانة بالمشاهير التافهين لإجراء إعلاناتهم وبميزانيات ضخمة، وهنا يتحول التافهون والتافهات إلى نموذج ومثل أعلى جراء ما يعيشونه من ثراء وشهرة وجماهيرية فتحت لهم الأبواب ليتم استقبالهم استقبال الأبطال والوجهاء».
هكذا تكلم الدكتور عثمان وهو الخبير العارف، وليس عندي ما أضيفه على بيانه، لكني أختم بتوجيه سؤال لكل الهيئات المعنية وغيرها فأقول بقلب يعتصره الألم: أما من وقفة صارمة إزاء هذا العبث الجاري نحمي بها هويتنا ومجتمعنا ونقدم أنفسنا بصورتنا التي يجب بعيدا عن ذلك التطرف المقيت الذي كنا فيه؟
ألم ندرك بعد بأن صورتنا التي نفتخر بها ونريد أن تصبح نموذجا لأبنائنا وبناتنا هي تلك التي يعكسها سمو ولي العهد، ذلك الأمير الشاب، ذو الهمة المتقدة، والذهن الوقاد، الذي كسر كل الحواجز الصنمية، وضرب مثلا في الحركة والديناميكية، فلماذا تغفل مؤسسات الإعلام عمليا عن ذلك؟
ألم نستوعب بأن صورتنا التي نحتاج إلى تكريمها عمليا، ليتم استقبالها في مكاتب التنفيذ، وتُفرد لها الطائرات والمركبات الفارهة، وتُستقبل في أعلى المجالس والمحافل، هي في صورة أولئك العلماء والعالمات المعرفيين، وليس في صور التافهين والتافهات، فهل إلى ذلك سبيل؟
رجاء أتوجه به لكل مسؤول، وأذكره بأننا في حرب مستمرة مع عدو يريد تفريغنا من كل قيمة إيجابية، وتشويه كل محتوى صالح وجاد. والله المستعان.