أحمد بن قروش

آليات الانضباط الوظيفي بين النجاح والفشل

الخميس - 30 ديسمبر 2021

Thu - 30 Dec 2021

إن من أهم مرتكزات أي اقتصاد يحمل مشروعا تنمويا وتطويريا كبيرا دراسة كيفية تفعيل انضباط موظفيه وضمان تواجدهم في أوقاتهم العملية المحددة وجعل هذه الدراسة دورية ومستمرة ولا تتوقف حتى لو شعر المعنيون بها بنوع من الاطمئنان في حال نجحت مؤقتا.

وأهمية جعل هذا المطلب دوريا ومستمرا تكمن في جعل هذه العملية قادرة على تمحيص وقياس مدى جودة نتائج الحل الذي يتم العمل به وهذا التمحيص والقياس لا يمكن له أن يتم إلا من خلال حوكمة مسألة الانضباط في كافة مفاصل جهة العمل مما سيسهل على الخبراء والمسؤولين القيام بتفعيل حلول انضباطية أخرى مغايرة للحل المعمول به إذا ثبت لهم عجزه عن تحقيق الغاية والهدف من العمل به.

وقد يرى البعض أن الأهم في هذا الصدد هو تحقيق رضا المدير وتجاهل العوامل التي تحقق رضا الموظف سواء كان من ناحية توفير بيئة عملية ومهنية جيدة ومؤثرة له وكذلك من ناحية الالتزام والوفاء بحقوق الموظف حتى يتماشى حصوله على حقوقه مع أداء الواجبات المطلوبة منه، إلا أن الواقع يقول بأن الكثير من المؤسسات سواء الحكومية منها أو حتى الأهلية تهمل وتتجاهل إلى حد كبير توفير بيئة يسودها مبدأ تكافؤ الفرص وجعل الإشادة بالإنجاز هي الأساس والأهم من ذلك عدم محاولتها القضاء على الشللية والمحسوبية داخل مختلف دوائر هذه البيئة وعند مسؤوليها ومن المؤسف أننا نجد الكثير من المؤسسات لا تعتبر تفعيل هكذا عوامل ضرورة عملية عمادها تحفيز الموظف الكفء وتحذير غير الكفء حتى تتمكن من السيطرة على انضباط الموظف نفسيا قبل السيطرة على انضباطه عمليا، وهذا الغياب الملحوظ لتلك العوامل هو ما يقف حجر عثرة أمام إيجاد حل فعّال لعدم الانضباطية عند الموظف كما تسبب ذلك الغياب أيضا في ظهور إشكالية أخرى يعانيها الموظف تتلخص في عدم شعوره بالولاء لجهة عمله وعدم شعوره بالانتماء لها وبأنه جزء لا يتجزأ منها مما جعله لا يبالي كثيرا بنجاحها من عدمه.

ولقد تنوعت أساليب ضبط حضور وانصراف الموظفين في العديد من الجهات حيث بدأت أولا بالتوقيع اليدوي ثم تلاه إبراز بطاقات الكترونية عند الحضور والانصراف، وأخيرا أصبحت القطاعات المختلفة تلجأ لنظام البصمة كحل أخير للتحكم في الانضباط وضبط عملية الالتزام به إلا أن جميع هذه الحلول أثبتت فشلها وإن نجح بعضها في الحد جزئيا من أضرار عدم الانضباط الوظيفي كعملية البصمة مثلا إلا أن ذلك الحل لم ينجح نجاحا باهرا يجعلنا نتفاءل بقرب نهاية هذه الثقافة العملية السائدة والوصول إلى حل نهائي ينهي هذه الظاهرة أو على الأقل يُقلّص انتشارها وذلك لخطورتها على تقدم وتطور أي اقتصاد تنشده أي دولة.

إلا أن ما يشعرنا ببعض التفاؤل وجود حل تطبقه شركة وطنية محلية كبرى أثبت نجاعته وفاعليته عمليا وليس نظريا وهذا الحل الذي أسهم في ضبط عملية حضور وانصراف موظفي تلك الشركة الكبرى دون اضطرارها للجوء لأي عملية انضباطية مثيلة بالعمليات المذكورة آنفا وهذه الشركة هي شركة «أرامكو» التي أصبحت تمثل نموذجا مثاليا نجح في ضبط موظفيه ليس فقط في الحضور والانصراف وإنما حتى في جودة ونوعية وكفاءة مخرجاتهم وتمثل هذا الحل في إيجادها لآلية عمادها جعل الواجب الوظيفي هو الحاكم والحكم في نفس الوقت، ويوازي ذلك منح موظفيها جميع حقوقهم دون أي عناء أو مماطلة، كما نجحت أيضا في توفير أهم عامل تفتقده غيرها من المؤسسات والشركات ألا وهو توفير البيئة المهنية التي تجعل الإنجاز هو المقياس والمكافأة عليه هو المعتمد؛ فأسهمت جميع هذه العوامل في جعل نسبة الانضباط في “أرامكو” تصل إلى ما يزيد عن الـ90% دون أن تحتاج لاعتماد أي من آليات الانضباط العقيمة سالفة الذكر.

إذن فحل معضلة عدم الانضباط؛ حل في غاية السهولة والفاعلية وهو يكمن فقط في توفير بيئة عملية بعيدة عن الإهمال والتجاهل وعدم التشجيع وبعيدة عن تغليب المصالح الشخصية على حساب مصلحة المنشأة والتي هي مصلحة يفترض بها أن تكون أهم أولوية لأي جهة عمل ولأي مسؤول فكانت نتيجة هكذا حال فشل الكثير من جهات العمل في إيجاد آلية ناجعة تحاصر قضية الانضباط وتضبط انفلاته.

ahmedbingroush@