عبدالله محمد الشهراني

من مكة إلى لوس أنجلوس

الأربعاء - 29 ديسمبر 2021

Wed - 29 Dec 2021

هذه قصة من وحي الحقيقة في بداية الثمانينات الميلادية.. بدأت القصة عندما تقدم خالد للالتحاق بإحدى البعثات المتوجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كانت بعثة تابعة لإحدى الجهات الحكومية، والتي أعلنت عنها سابقا في الصحف موضحة طريقة الالتحاق بها. لكن العدد المطلوب لم يكتمل، الأمر الذي اضطر موظفي تلك الجهة للاتصال بشكل مباشر على منازل أقارب المتقدمين للبعثة. وجه الموظف هذا السؤال إلى خالد: هل لديك قريب في سنك، نعم ابن خالي، تخرج للتو من الثانوية، ما اسمه؟، أسعد، هل لدى أسعد هاتف منزل؟، نعم .. تفضل.

السلام عليكم.. أنا مسؤول البعثات في إدارة التوظيف.. حاب أتكلم مع أبو أسعد، معك تفضل، ابنكم مرشح للالتحاق بإحدى البعثات التي سوف تسافر إلى أمريكا، (أمريكا !!، لا يا عمي، خلينا في ساعة رحمن.. هوا إن شاء الله ناوي يدخل كلية المعلمين، يا أبو أسعد.. هذه البعثة لا تتجاوز 4 سنوات، 4 سنوات!! كثير والله، لكن راح يرجع براتب أفضل ومميزات كثيرة، والله ما أعرف.. لكن أقول لك، أسعد .. أسعد .. يا واد يا أسعد، ايش في؟!، نادي أسعد، ايش في؟، نادي أسعد هادولا جهة حكومية يرسلوا الشباب بعثات لأمريكا، وإن شاء الله تبغى الولد يسافر أمريكا؟، دخيل الله لا تفجعني فيه!!،

يا بنت الحلال خير له إن شاء الله، تعال يا أسعد.. (ما زال الموظف على الهاتف)، شوف يا ولدي، إنت مرشح لبعثة إلى أمريكا، تدرس هناك وبعدين تتوظف براتب حلو ومميزات كتيره، ولا تبغى كلية المعلمين اللي جنب بيتك في مكة)، لجأ الموظف إلى استخدام الكرت الأخير الرابح، (يا أبو أسعد، قول لأسعد إن ولد عمته خالد عندي هنا الآن، خلّص أوراقه ورايح يسافر إلى البعثة، ولد أختي خالد!!، يقول لك خالد ولد عمتك خلّص أوراقه الآن وراح يسافر إلى أمريكا، دخيلك خليه هنا لا يروح أمريكا، يا شيخه أهجدي.. هذا مستقبله وهو اللي يقرر، ها ايش قلت يا أسعد .. تروح أمريكا ولا كلية المعلمين؟، أيوه أروح أمريكا، خلاص يا أستاز، أنتو في جدة؟)، نعم.. ننتظرك غدا الساعة 10 ص.

في ذلك اليوم، لم يأت المغرب إلا وقد علم جميع سكان الحي بالقصة، وبدأ الكل يودعون أسعد قبل حتى أن (يوقع) مع الجهة التي سوف تقوم بابتعاثه، فمباراة العصر في ملعب الحارة تأجلت، والملعب أصبح قاعة يشرح فيها أسعد قصة المكالمة التي سوف تأخذه إلى أمريكا، وأم أسعد ومن خلال دموعها في «العصرية» مع الجيران نشرت الخبر، والجارات (زادوا همها هم، زوجيه قبل ما يسافر، وي صغير حبيبي، 4 سنوات، هذا يمكن يتزوج أمريكية ولا يرجع). أما الأب فهو في شرود دائم، يطلب الشاي -( براد أبو أربعة، في قهوة «دقم الوبر»)- فيشرب أصدقاؤه الشاي ويغفل هو عن فنجانه حتى يبرد. قص حينها موقف اليوم على أصدقائه، وتراوحت ردود فعلهم بين الدعم والخوف.

ما حدث في فترة الثمانينات وقبلها كان طفرة كبرى في مجال التوظيف، وصلت إلى حد البحث في المنازل.

مقال الأسبوع القادم.. البداية في لوس أنجلوس.

ALSHAHRANI_1400@