ياسر عمر سندي

إنهم لا يروقون لي

الأربعاء - 29 ديسمبر 2021

Wed - 29 Dec 2021

تحدث لي أحد الأصدقاء وأخبر عن رغبته بمقابلتي لطرح موضوع كاستشارة يستنير بها بسبب انزعاجه الذي يكاد يفقده السيطرة أحيانا على ردود أفعاله وانفعالاته.

إنهم لا يروقون لي.. بهذه الكلمات بدأ يسرد ما يعانيه من تعامل البعض من المحيطين به؛ عائلته وأصدقاؤه وزملاء عمله وتذمره من أساليبهم وسلوكياتهم التي لا تتناسب معه وأثناء استرساله استدركت حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- التي روته السيدة عائشة -رضي الله عنها- «الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف».

هذا الحديث الشريف له أبعاد كثيرة ومقاصد وفيرة نستشف منه أسس التعاملات البينية ومبادئ العلاقات التبادلية بين البشرية الذين خلقهم الله تعالى من نفس واحدة وبنفسيات متعددة وهذه الأخيرة هي البصمات لكل شخصية لتحقيق التكامل النفسي والمجتمعي وهي أيضا عوامل الجذب والطرد بين الشخصيات.

قد يمتلك البعض الشخصية الجاذبة وخفة الظل المؤثرة ولكن هنالك آخرين لا يتواءمون معهم؛ وربما هنالك من يمتلك الشخصية الصارمة والقسوة في التعامل ونحسبهم من الشخصيات الطاردة، ولكن قد يستهويهم البعض وإليهم ينجذبون.

الاختلاف طبيعي.. المهم البعد عن الخلاف؛ وذلك بتعزيز ثلاثية القيم في التعاملات السلوكية مع الجميع وهي «الاحترام والالتزام والسلام».

من مبادئ الذكاء العاطفي أن نتعامل بخمس قدرات تبدأ بالوعي الذاتي بأن لكل شخص طبعه وطابعه ثم إدارة المشاعر بضبط النفس والتحكم بها، ومن ثم القدرة على تحفيز النفس بالوصول بها للقيمة والقامة الذاتية والاجتماعية والتعاطف مع الآخرين بتقبل أعذارهم وتفهمهم وأخيرا معالجة العلاقات بعدد من المحددات والسلوكيات.

في التعاملات البشرية من الضروري رسم الحدود الإنسانية الثلاثة وأعني بذلك أن نوجد لذواتنا معايير نحددها لأنفسنا مع الغير ونصرح بها للآخرين للتعامل معنا؛ أولا «الحدود النفسية» وهي ألا نسمح لأنفسنا إطلاقا بالتعدي والتأثير سلبا على نفسيات الآخرين وتعكيرها ولا نسمح للآخرين بتجاوزهم حدودنا وإيقاع الضرر النفسي علينا؛ ثانيا «الحدود المكانية» بالحفاظ على الحق المكاني مثل المكتب والمنزل وغرفة النوم أو أي خصوصية مكانية نتمتع بها وكذلك حفظ خصوصيات الغير بأخذ الإذن المسبق والمتبادل في ذلك؛ ثالثا «الحدود الزمانية» وهي حفظ الحق الأدبي والأخلاقي في وقت الاتصال والتواصل للزيارات المتبادلة؛ فهنالك أوقات معينة يجب الاستئذان فيها قبل التجرؤ والتجاوز في هذا الحق المكتسب.

أرى أيضا أن هنالك ثلاثة سلوكيات من منهجنا الديني ومقصدنا التشريعي؛ يجب تعزيزها مع المحددات السابقة؛ أولا «السلوك اللفظي» «وقولوا للناس حسنا» وهو انتقاء أفضل وأجمل الكلمات مع أسلوب الحوار بخفض الصوت «واغضض من صوتك»؛ ثانيا «السلوك الفعلي» وهي الترجمة العملية في التعامل التطبيقي بحسن الخلق ولين الجانب «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»؛ ثالثا «السلوك الإيمائي» وهو تعابير الوجه ورسائله بانعكاسات الإشارات الجسدية من خلال الابتسامة وعدم تصعير الخد والتعالي على الآخرين «ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا».

جرعة تنشيطية لبداية عام جديد.. للوقاية والعلاج؛ ثلاث محددات مع ثلاثة سلوكيات؛ إذا تم تناولها بانتظام تساعد كثيرا على التوافق النفسي والمجتمعي ذاتيا ومع الآخرين؛ نحن غير ملزمين على محبة الآخرين والانسجام معهم؛ لأن الأرواح جنود مجندة يعتريها الائتلاف مثلما يخالجها الاختلاف؛ ولكن ينبغي علينا الاحترام في حدود مراعاة شعرة معاوية بحفظ الود وصلة القربى؛ على هذا الأساس تستمر العلاقات بين البشر؛ بالتالي لا يهم أن أروق لهم، أو أنهم لا يروقون لي.

@Yos123Omar