ياسر عمر سندي

علم صناعة السحر

الأربعاء - 08 ديسمبر 2021

Wed - 08 Dec 2021

لكل صناعة حبكتها ولكل صانع بصمته، وإذا ما افترضنا أن هنالك سحرا وساحرا فإن لهذا السحر جذبه الخاص، وللساحر طريقته المتميزة، والتي لا يتقنها سوى شخص يمتلك سر الإبداع ليشنف الآذان بكل إتقان، ويخطف الألباب بحب وإعجاب، ويقرب البعيد، ويصنع الجديد.

سحر المقامات علم له منهجيته الأصيلة وطريقته الرصينة لتحسين الصوت والأداء بعدم الخروج عن المسار الصحيح؛ وللمقامات جماليات تلامس الحس المرهف وتغوص وتطفو بشغف في بحور التغني المحترف بين الجواب بأعلى طبقاته والقرار بانخفاضه؛ وكما قيل فإن الأذن تعشق قبل العين أحيانا.

حثنا النبي عليه الصلاة والسلام على تحسين الصوت عند قراءة القرآن وقال: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن». وحواره مع أبي موسى الأشعري حينما قال له: «لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داوود» فقال أبو موسى الأشعري: «لو أعلم أنك تستمع لي لحبرته تحبيرا».

كذلك الطريقة والأسلوب الجاذب باستمالة الوجدان وترقيق الجنان من القارئ والمنشد والمؤذن وصاحب الصوت العذب الذي نستشفه من حديث عبدالله بن زيد في الأذان، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فقم مع بلال، فألق عليه ما رأيت فليؤذن به؛ فإنه أندى صوتا منك».

أهل الصنعة يختزلون مجمل المقامات في كلمتي «صُنع بسحرك» اللتين تجمعان الأحرف من الصاد للكاف لبدايات المقامات الثمانية الآتية:

«ص» مقام الصبا، اسم للحنين والشوق، وهو مقام يلامس الروحانية الجياشة والعاطفة، وهو أفضل مقام يجذب المستمع بطبقة الجواب صعودا والقرار نزولا.

«ن» مقام النهاوند، وهي اسم لمدينة فارسية، وهذا المقام يمتاز بالرقة ويبدأ من أول السلم الموسيقي ويصل إلى أعلاه ثم ينزل بتدرج إلى أسفله.

«ع» مقام العجم، يحاكي الصخب والإقدام بطريقته المؤداة لرفع الحماسة وبث الروح المعنوية وتعزيز الاستعلاء في الأناشيد الوطنية ويعكس الكرامة والانتصار.

«ب» مقام البياتي أو البيات، هو السهل الممتنع العميق الذي يرقق القلوب ويبكيها ويحاكي الخيال ويستفز العاطفة ويجعل السامع يتفكر ويتدبر بخشوع.

«س» مقام السيكا، سهل وبسيط ومسترسل فيه القرار الهادئ والجواب الحاد، وبالتالي يحتاج إلى دراية وخبرة عند التعامل معه، وهذا ما يجعله قليل الاستخدام إلا من قبل أصحاب الصنعة الاحترافية في الأداء.

«ح» مقام الحجاز، وهو عربي الأصل وينسب إلى منطقة الحجاز، يمنح الروحانية والطمأنينة والشجن.

«ر» مقام الرست وهي كلمة فارسية تعني الاستقامة، وهو يعكس في أدائه الانضباط والوقار والتفخيم والتجويد، وغالبا ما يستخدمه القراء في قراءة الآيات ذات الطابع القصصي مثل سورة «يوسف»، وهو من أجمل وأفضل المقامات على مستوى القرار المنخفض لترسيخ

المعنى.

«ك» مقام الكرد، من أكثر المقامات الموسيقية استهلاكا في الأناشيد الإسلامية، وهو من أسهل المقامات الموسيقية وأكثرها طربا.

إن الله جميل يحب الجمال وقمة الجمال في أسلوب الجذب الصوتي إذا ما تم التعامل معه باحتراف؛ هنالك من رق قلبه وأشهر إسلامه لمجرد سماع صوت المؤذن أو آيات يتلوها قارئ متمكن أو منشد بالمقامات يتفنن؛ ليصنعوا جميعهم السحر الحلال.

@Yos123Omar