أحمد محمد الألمعي

الأطفال ضحايا الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي

السبت - 04 ديسمبر 2021

Sat - 04 Dec 2021

احتفلنا الأسبوع الماضي باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة. وفي هذا السياق وكطبيب نفسي مختص في الأطفال ومهتم بحماية الطفل، أردت أن أسلط الضوء على موضوع مهم يتعلق بحماية أطفالنا من الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وهذا جزء من فصل من فصول كتابي «حماية الطفل في العالم العربي» الذي تم نشره العام الماضي. لقد أصبح الإنترنت جزءا أساسيا من الصعب الاستغناء عنه في حياتنا اليومية، وهو في متناول يد الجميع بمن فيهم الأطفال الذين لم تؤهلهم مرحلتهم العمرية للتصدي لآثاره السلبية خاصة في ظل سياق اجتماعي يسمح بذلك بدون أي رقابة. ولكن يأتي الاستبصار بمخاطره بعد مرحلة يصعب فيها علاج توابعه التي ترسم ملامحها في سلوكيات الأطفال وانفعالاتهم.

ويعتبر الإنترنت وسيلة جديدة ومبتكرة يمكن أن تغير حياة الناس تماما كما فعل التلفزيون عام 1950 و1960. وقد غيرت شبكة الإنترنت حياة الأفراد من حيث الوصول إلى المعلومات الهائلة والسريعة، ونشرها، وتقييمها، والتواصل مع أنواع مختلفة من الأشخاص الذين يفصلهم المكان والزمان، وإعادة تخصيص الوقت لأنشطتهم اليومية.

ومن خلال الطرق المختلفة لاستخدامات الإنترنت، مثل البريد الالكتروني، ومجموعات الأخبار، والدردشة، فقد تغيرت طرق التواصل مع الأفراد. وبما أن الإنترنت قد غير حياتنا بطريقة ثورية، لا يسعنا إلا أن ندرس ونفحص دور الإنترنت فيما يتعلق بما له من تأثير علينا.

ويعد الجيل الحالي من الأطفال الصغار هو الجيل الأول الذي لم يشهد عالما بدون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وبالتالي، يطلق عليهم اسم «المواطنين الرقميين Digital natives» على الرغم من وصولهم المباشر إلى الإنترنت، فمن الوهم أن يعتقدوا أن استخدامهم للإنترنت لا يمثل خطورة عليهم.

وأشار عديد من المؤلفين إلى أن هذا الجيل لم يطلق عليه «أطفال السرعة» فقط، ولكن أيضا «أطفال المخاطر». وناقش العالم ليفينجستون Livingstone (2003) الاستخدام الشامل للإنترنت من قبل الأطفال حول ثلاث فئات رئيسة: الترفيه، والتعليم، والتعليم الترفيهي.

الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي حقائق وأرقام:

إن الإنترنت ببساطة شديدة هو عبارة عن شبكة ضخمة تربط بين مئات الآلاف بل الملايين من الحاسبات والشبكات الحاسوبية الصغيرة في جميع أنحاء العالم.

وتعود بداية شبكة الإنترنت إلى نهاية الخمسينيات، عندما أسست الولايات المتحدة الأمريكية وكالة مشروعات الأبحاث المتطورة لخدمة الأغراض العسكرية أثناء الحرب الباردة، وأثناء توسع عدد المؤسسات الأكاديمية والتجارية والأفراد المتصلين بالشبكة والتي كانت تعرف باسم (الأربانت) في ذلك الوقت قامت السلطات الأمريكية باتخاذ قرار باستقلال شبكة المعلومات العسكرية واستمرار الشبكة الحالية تحت مسمى الإنترنت.

ومع بداية الثمانينيات تم تطوير نظام الاتصالات الخاص بالشبكة ثم الحقت عام 1984 بالمؤسسة الوطنية F.S.N ويعد عام 1990 سنة الانطلاقة الدولية للأنترنت بعد الانفتاح العالمي والسماح ببث الشبكة عبر الأقمار الصناعية ووسائل الاتصال المتطورة بحيث وصل عدد الشبكات التي تضمنتها الإنترنت 9000 شبكة في أكثر من 150 دولة يستخدمها أكثر من مائة مليون مستفيد يدخلون على الشبكات للاطلاع وتبادل مختلف المعلومات والتطبيقات. استقطبت شبكات التواصل الاجتماعي الكثير من المستخدمين من شتى أنحاء الأرض، ومن كافة الفئات الاجتماعية والعمرية بمن فيهم الأطفال والمراهقين، محدثة تحولات جوهرية في أنماط التفاعل وأساليب التواصل الاجتماعي، وقد نجم عن ذلك تداعيات أسهمت بشكل فاعل في صياغة ملامح كثير من المجتمعات فكريا واجتماعيا.

لذا جذبت انتباه كثير من الباحثين والمشتغلين في الميدان التربوي والاجتماعي. فشبكات التواصل الاجتماعي خدمة مقدمة عبر الإنترنت، تسمح للأفراد ضمن مواقعها بتعريف أنفسهم من خلال بناء ملفات تعريف شخصية وفق تصوراتهم عن ذواتهم بواسطة النصوص والصور والفيديو والصوت والمسابقات القصيرة والاستطلاعات، كما تتيح لهم اختيار الأفراد الذين يشتركون معهم في الاتصال. وترتبط تلك الملفات مع بعضها البعض من خلال شبكة هائلة من قوائم الأصدقاء داخل تلك المواقع.

دور الإنترنت في ارتكاب الجرائم ضد الأطفال:

تختلف جرائم الإنترنت حسب الأهمية والنوع والثقافة الفكرية المحيطة بالمجتمع. فقد عرفت الاتفاقية الأوروبية حول جرائم الإنترنت، التي صادق عليها المجلس الأوروبي في بودبست في 23 نوفمبر 2001 والتي تعتبر من أكثر التشريعات تطورا، حيث قامت بوضع أربعة أنواع هي:

(1) الجرائم التي تمس سرية وأمن وسلامة الكمبيوتر ومنظوماته. (2) إساءة استخدام الأجهزة (جريمة التزوير المتعلقة بالكمبيوتر)، جريمة النصب والاحتيال. (3) الجرائم المتعلقة بالانتهاكات الخاصة بحقوق الطبع والنشر. (4) الجريمة المتعلقة بالرغبة الجنسية (الجرائم المتعلقة بالأعمال الإباحية للأطفال). وارتفعت حالات استغلال الأطفال جنسيا عبر شبكة الإنترنت حول العالم بشكل كبير. حيث تزايد عدد المواقع الإباحية لاستغلال الأطفال بنسبة 400 بين سنة 2004 وسنة 2005. فوصل إلى 3433 موقعا سنة 2004. كما بلغ دخل تجارة الجنس عبر الإنترنت سنة 2006 إلى 79,60 مليار دولار منها 3 مليارات خاصة بالاستغلال الجنسي للأطفال.

وتتميز الأخطاء المرتكبة بواسطة الإنترنت كأداة وهدف للجريمة أحيانا بخصائص منها: (1) سرعة وسهولة تنفيذ الجريمة، حيث لا يتطلب تنفيذها عبر الهاتف سوى وقت قليل ولا تتطلب إعدادا أو استخدام معدات معينة. (2) لا يتطلب تنفيذ الأخطاء أو السلوك السيئ التواجد في مكان الجريمة مثلا بل يمكن للفاعل تنفيذ فعله السيئ من خلف الحدود. (3) صعوبة الكشف والإثبات، حيث يمكن ملاحظة الآثار فقط بسبب غياب الدليل المادي. (4) لا يوجد سن لمرتكبي هذه الانحرافات فقد تتراوح أعمارهم بين 10 - 60 سنة وبمستوى مهارات مختلفة يتراوح بين مبتدئ ومحترف. (5) أخطاء وانحرافات هادئة لا تتطلب الاصطدام مع رجال الأمن. (6) أخطاء عابرة للحدود بعد أن تم ربط العالم بشبكة اتصالات عبر الأقمار الصناعية والفضائيات، مما جعل الانتشار الثقافي وعولمة الثقافة والجريمة أمرا ممكنا. (7) صعوبة ملاحقة الأجهزة الأمنية لمرتكبي هذه الأخطاء بسبب نقص الخبرة وعدم كفاية القوانين النافذة وبقاء مرتكبيها طلقاء لعدم وجود معاهدات تضمن تسليمهم. (8) تهديدها للقيم والأخلاق والآداب العامة خاصة من خلال نشر المواد الإباحية مما يؤدي إلى تشجيع الانهيار الخلقي.

وتشمل الجرائم الموجهة للأطفال من خلال الإنترنت، جريمة الإرهاب الالكتروني بما في ذلك تجنيد الأطفال من قبل المنظمات الإرهابية وجريمة الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت، كما أن هناك مخاطر الإدمان على الإنترنت والتأثير الثقافي والاجتماعي الذي يكون في كثير من الأحيان سلبيا وله مضاعفات سلوكية ونفسية كبيرة قد لا يكتشفها الوالدان إلا في وقت متأخر.

وتتطلب حماية الطفل وضع استراتيجيات وقائية ناجحة للتعاون على مستوى الفرد والمجتمع. ويجب أن تراعي هذه الاستراتيجيات سلوكيات وظروف كل من الأطفال والمراهقين (ولا سيما «المعرضين للخطر») وأسرهم. وبصفة عامة، فإنها تشمل: (1) حملات تثقیف مجتمعي للأطفال والآباء حول مخاطر الإنترنت وسلوك الإنترنت الآمن. (2) تطوير المنظمات التي ترصد المواقع الهجومية، وتقديم معلومات عن الاستخدام الآمن للإنترنت. (3) تطوير البرمجيات التي تقوم بتصفية أو حظر المواد المسيئة. (4) إجراءات تستهدف الجناة، بما في ذلك الملاحقة الجنائية للمجرمين، ورصد أنشطة الجناة المعروفين، وتوفير برامج وقاية للأفراد من أن يصبحوا مرتكبي الجرائم وتقديم العلاج النفسي لهم.

ومن أساليب الحد من إدمان الأطفال على الإنترنت والتقليل من خطر استغلالهم التي يجب أن تتبناها الأسرة ما يلي: (1) وضع جهاز الكمبيوتر في مكان يتيح للوالدين الاطلاع على المواقع التي يتم تصفحها من طرف الطفل. (2) تحديد الهدف من استخدام الإنترنت. والحرص على احترامه حتى لا يضيع وقت الطفل. (3) التوجيه السليم للأطفال لتحديد قيمة هذه التقنية بما يتناسب وتشكيل شخصية سليمة للطفل وتزويده بالخبرة والمعرفة حول أهميته لاستخدامه الأمثل للحاسوب وشبكة الإنترنت بعيدا عن القمع الأسري والعنف والإساءة الجسدية والحرمان. (4) تعزيز دور الأسرة خاصة في تحديد نمط سلوك الأطفال وعادات استخدام الإنترنت، فكلما كانت حرية الاستخدام متروكة أمامهم زاد احتمال تعرضهم إلى ارتكاب السلوك السلبي نتيجة اطلاعهم على أمور مختلفة السيئ منها والضار. (5) ضرورة تحكم أولياء الأمور في تحديد المواقع التي يستخدم فيها الأطفال هذه المنظومة؛ لأن أغلبهم يفتقرون إلى القدرة على اختيار ما يرونه مناسبا حتى لا يجرهم هذا الاستخدام إلى ما لا يحمد عقباه. (6) توعية الأطفال وتحصينهم بأساليب التربية السليمة والقيم الإيجابية فيما يخص حجب المعلومات عن الأشخاص الغرباء. (7) العمل على إغناء وتطوير مصادر ثقافة الطفل لمد قنوات الاتصال معه بالقيم الضرورية والتي من شأنها تحصينه ضد الكثير من المؤثرات السلبية التي تصادفه في حياته ومنها سوء استخدامه لشبكة الإنترنت. (8) تقليص الفجوة بين الأطفال وأوليائهم مما يسمح بمتابعة أدق التفاصيل في حياتهم مما يساعد على تجنبهم الكثير من المشاكل.

وهناك طرق وبرامج علاجية متعددة للأطفال ضحايا الإنترنت وأسرهم تشمل عدة أساليب نفسية. يتضح مما سبق خطورة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وأهمية مسؤولية الآباء والأمهات عن مراقبة الأطفال لكي لا يقعوا فريسة سهلة للاستغلال وقاهم الله من كل شر.

almaiahmad2@