عبدالرحمن الزهراني

الجمعيات العلمية السعودية بين البيروقراطية والإفلاس المعرفي

السبت - 27 نوفمبر 2021

Sat - 27 Nov 2021

يعتبر الإعلام شريكا أساسيا في عملية التنمية والتطوير المستمر، وذلك من خلال إمداد مختلف وسائل الإعلام بالبيانات والحقائق حين الحاجة لها، من أجل إيضاح الحقائق وتكريس الشفافية، وإزالة اللبس والغموض، وكذلك الرد على وسائل الإعلام عند التطرق إلى جوانب القصور سواء بالنفي، أو بمعالجة جوانب القصور والخلل؛ فالإعلام وحده من دون تعاون الجهات المختلفة لا يستطيع القيام بمهامه وأدواره على الوجه المطلوب.

الملفت للنظر هو عدم رد الجهات التي تتعرض للنقد، على مختلف وسائل الإعلام بشكل عام والصحف بشكل خاص، خصوصا الصحف الرسمية المعتمدة من الدولة والناطقة باسمها، وكأن الأمر لا يعنيهم رغم وجود جيش من الموظفين في العلاقات العامة والإعلام، مهامهم الأساسية هي تتبع ما ينشر عن المنشأة من أخبار وتقارير وآراء، وتعرض بطريقة، أو بأخرى على سعادته، أو معاليه الذي اطلع عليها قبل موظف العلاقات العامة -في أغلب الأحيان- ولكنهم يتبعون سياسة إخواننا المصريين عندما يقعون في مأزق لا يمكن الرد عليه إلا من خلال أسلوب وطريقة «اعمل نفسك ميت».

ضمن سلسلة مقالات الجمعيات العلمية السعودية.. الحاضر الغائب، تطرقنا في خمس مقالات سابقة إلى أوضاع أغلب الجمعيات العلمية، وغيابها عن المشهد والتقدم العلمي، وكانت أغلب المقالات موجهة بأسماء الجمعيات العلمية وأسماء رؤساء الجامعات، ولم يتم الرد على الصحيفة، إما بمحض ما ذكر في المقالات، أو معالجة وضعها، باستثناء جامعة أم القرى التي أضافت حسابات تويتر لمواقع الجمعيات العلمية التي مازالت خاوية على عروشها، الأمر الذي يجعلنا نسلط الضوء بشكل مركز على بعض هذه الجمعيات لمعرفة أسباب غيابها وتخلفها العلمي، وحجز أسماء الجمعيات وعدم حل مجالسها والاستفادة من مقراتها وملحقاتها.

وهنا نتطرق إلى بعض الأسباب التي أدت إلى تواري معظم الجمعيات العلمية في الجامعات السعودية بشكل عام وفي المنطقة الغربية بشكل خاص، وتظل هذه الجمعيات في دائرة الاتهام بالإهمال وعدم التخطيط وغياب الشفافية لحين تعديل أوضاعها، أو تفنيد ما تم الإشارة إليه في المقالات السابقة خصوصا الجمعيات العلمية في كل من جامعة أم القرى وجامعة الملك عبدالعزيز وجامعة طبية، وفيما يلي أهم أسباب غياب هذه الجمعيات، وتظل هذه الأسباب مجرد آراء ومعلومات تصلنا ما لم يتم نفيها، أو تأكيدها، أو معالجتها من قبل الجامعات وإدارة الجمعيات العلمية في الجامعات:

السبب الأول: البيروقراطية القاتلة التي تغرق فيها معظم الجامعات السعودية حيث إن هناك جمعيات علمية لم تستطع اتخاذ أي إجراءات من أجل تسهيل مهامها وإقامة فعالياتها وممارسة نشاطها، وذلك سبب البيروقراطية والاستحواذ على صناعة القرار وهذا سبب واقعي ومنطقي ويعد أهم وأول أسباب غيابها.

السبب الثاني: وجود صراعات بين القيادات العليا في الجامعات والقائمين على بعض الجمعيات العلمية، بعض هؤلاء القيادات رأسوا مجالس إدارات بعض الجمعيات العلمية قبل أن يرتقوا سلم المجد! وبما أنه لم يتحقق منجزات ونجاحات لهذه الجمعيات في عهده عندما كان رئيسا لمجلس إدارة الجمعية.. يقوم بحذف الحجارة والحصى على من هم تحته، وتختلف أحجام الحجارة والحصى باختلاف حجم ونوع الخلافات؛ فكيف تنجح جمعية في عهد غير عهده؟

السبب الثالث: يتعلق بإدارة الجمعيات العلمية ومن يشغلها، عادة تكون «الشرهة» بمبلغ مالي، ولكن يبدو أن في بعض الجامعات تقدم «تشره» بمواقع وظيفية؛ فأغلب إدارات الجمعيات العلمية، وجودها وعدمها واحد! طالما لا يوجد تصنيف معلن للجمعيات، ولا يوجد معايير للتقويم، ولا يوجد عمل ظاهر للجميع، وهذا يرجع إلى القدرة العلمية والخبرة الإدارية وسعة الاطلاع وإجراء المقارنات المرجعية الخارجية والداخلية.

السبب الرابع: عادة نسمع بإفلاس المؤسسات والشركات في القطاع التجاري وهو يعني عدم قدرة المنشأة على تلبية احتياجات العملاء لعدة أسباب أهمها الجانب المادي، وهذا المبدأ ينطبق على جميع المنشآت باختلاف مهامها وأدوارها عند عدم القدرة على تلبية احتياجات المستفيدين، ولو عدنا للقواعد التنظيمية للجمعيات العلمية السعودية الصادرة من مجلس شؤون الجامعات لوجدناها تحدد المهام والأدوار للجمعيات العلمية التي أهمها تقديم الخدمات الإرشادية والاستشارية للباحثين والمهتمين بمجال الجمعية، وهذا الجانب المهم غائب بشكل كلي في معظم الجمعيات العلمية في ظل تقديم الجامعات السعودية برامج الماجستير والدكتوراه في جميع التخصصات العلمية، وقد يكون الإفلاس المعرفي للقائمين على بعض الجمعيات العلمية هو السبب الأساسي للغياب العلمي لبعض الجمعيات العلمية، كما يقال فاقد الشيء لا يعطيه، إضافة إلى أن عدم تقديم الاستشارات للباحثين والمهتمين بالجانب العلمي من قبل الجمعيات العلمية خلق سوقا سوداء لاصطياد طلاب الدراسات العليا من خلال حسابات وهمية في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي تدعي كتابة البحث والدراسات والتحليل الإحصائي بل وإنجاز الرسائل العلمية بأكملها (على المفتاح) أو كما يقول إخواننا المصرين (حفر ودفن)! فنجد أغلب الحسابات في تويتر التي تعرض خدمات البحث العلمي، تشير إلى أن موقعها في السعودية – الرياض ولكن رقم الواتس أب المحدد للتواصل مع أرض الكنانة، أو فلسطين، أو الأردن لا تخرج هذه الحسابات عن هذه الثلاث دول، وهنا نؤكد بأن بعض الجمعيات العلمية من أصل (١٨٧)!! جمعية علمية سعودية في مختلف التخصصات أسهم في خلق سوق رائجة لبيع الاستشارات والبحوث والدراسات.

سوف نستمر خلال المقالات القادمة في سبر أغوار الجمعيات العلمية السعودية في الجامعات السعودية لحين استقامة أمورها والقيام بأدوارها التي أنشئت من أجلها، أو حلها ونقلها إلى الجامعات الناشئة التي تفتقر إلى هذه الجمعيات في ظل تكدسها وحجز أسمائها في بعض الجامعات السعودية العريقة.

نقطة ضوء: تظل الحياة اجتهادات تحتمل الصواب والخطأ، إن أصبنا فمن الله وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان.

DrAlzahrani11@