وليد الزامل

مساكن بإطلالة ترد الروح!

السبت - 27 نوفمبر 2021

Sat - 27 Nov 2021

طالعت بالأمس القريب تقريرا تلفزيونيا ينقل معاناة سكان أحد الأحياء السكنية من وقوع مساكنهم بشكل مُطل مباشرة على مقبرة مهجورة.

مشهد مؤثر لتلك العائلة التي تستيقظ من النوم لتفتح نافذة مسكنها وتحصل على نسيم هواء عليل منعش وإطلالة تتلاقى فيها أرواح الأحياء والأموات، فعلا هواء يرد الروح وإطلاله تُذكر سكان المنزل بالدنيا والآخرة في آن واحد! المشكلة الأعظم هي عدم علم هذه العائلة -كما يقولون- أن مسكنهم يطل على المقبرة بمعنى أن قيمة شراء الأرض كانت مرتفعة كما بقية الأحياء السكنية ولم تتأثر بوقوعها بالقرب من المقبرة، وهو ما يؤكد أهمية وجود نظام تصنيف واضح لاستعمالات الأراضي غير المرغوبة ضمن نطاق الأحياء السكنية.

في هذا السياق دعوني أحدثكم اليوم عن LULU هذا المصطلح العلمي الذي يطلق على استخدامات الأراضي غير المرغوب بها Locally Unwanted Land Use. تشمل LULU مدافن النفايات الخطرة، والمحارق، وملاجئ المشردين، ومرافق تكسير الخرسانة، ومولدات الطاقة، والمقابر المهجورة، كما يمكن أن تشمل المرافق التي يرفضها السكان عموما لكونها تشكل خطرا بيئيا أو صحيا أو أمنيا مثل السجون، ومساكن العمال. لا أحد من السكان يرغب أن تتواجد الاستخدامات غير المرغوبة في حيه السكني؛ إذ يُنظر لهذه الاستخدامات نظرة سلبية لكونها تخفض من قيمة العقارات وتوثر على جماليات المكان، وتشكل خطرا على السكان؛ لذلك فإن أسعار الأراضي والعقارات القريبة من تلك المواقع تكون منخفضة للغاية.

نظريا، تتركز الاستخدامات غير المرغوبة في الأحياء السكنية المحرومة نتيجة لديناميكيات السوق مثل الأحياء الفقيرة Slums والأحياء الصناعية، وأماكن تجمع الأقليات العرقية، وهو ما يؤدي إلى انسحاب السكان ذوي الدخل المرتفع أو المتوسط من الإقامة في تلك الأحياء السكنية، وبالتالي استمرار المشكلة وتوسع في انتشار الاستخدامات غير المرغوبة وانخفاض متوال في أسعار العقارات.

يولي المخططون أهمية بالغة عند توزيع استخدامات الأراضي غير المرغوبة، من خلال عزل تلك الاستخدامات بعيدا عن الأحياء السكنية أو ضمن نطاقات لا تؤثر على اقتصاديات الأرض والعقار. في الولايات المتحدة الأمريكية يتم تصنيف مواقع Superfund وهي عبارة عن مرافق أو مواقع مصنفة ضمن نطاق NIMBY أو LULU نظرا لاحتوائها على مواقع ملوثة أو مواد ضارة بالبيئة أو الصحة العامة أو التربة أو السلامة والتي تتطلب استجابة لمعالجة هذه المواقع.

من الناحية العلمية ولمعالجة هذه الإشكالية لا بد من وجود نظام لحصر هذه المواقع؛ ثم تبدأ خطوات التنظيف أو المعالجة على أساس نظام تصنيف المخاطر The Hazard Ranking System (HRS) لتقييم أي مخاطر على الإنسان والبيئة، وتبعا لذلك، يتم تحديد مستوى ونطاق التدخل؛ فعندما يكون تقييم HRS مرتفعا، فإن هذا يعطينا مؤشرا على تدخل فوري (قصير الأجل)، وتدخل سريع، وحاسم، وعلى نطاق وطني. في المقابل، عندما يكون تقييم HRS منخفضا، فسيكون على نطاق محلي، واستجابة طويلة الأجل، والحاجة إلى تقليل تأثير الخطر.

بعد تحديد مستوى ونطاق التدخل لتلك المواقع، يتم تعيين ميزانيات لمعالجة أو تنظيف هذه المواقع من خلال تحديد الأشخاص أو المؤسسات المسؤولة عن هذا الخطر، ويتم الحصول على المصاريف المالية من الأطراف المتسببة بالمشكلة (الملاك) سواء كانت الشركة أو المصنع أو المؤسسة؛ كما يمكن تحديد الميزانيات من خلال الضرائب أو أموال الدولة. المهم أن تعود هذه المساكن بإطلالة حقيقية تذكرهم بجمالية الحياة بعيدا عن المقابر!

waleed_zm@