بندر الزهراني

الأكاديمي (تصور حياة) بلا ضرائب!

السبت - 20 نوفمبر 2021

Sat - 20 Nov 2021

وظيفة الجامعة تتمثل في ثلاث نقاط أساسية، كما هو معلوم، وهي ليست متساوية في أوزان المهام والتكاليف، ولكنها متناغمة في الأداء، ومتكاملة في الأدوار: التدريس، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع، ويتفرع من كل نقطة تفرعات عديدة، لسنا بصدد بسط الحديث عنها وتفصيلها، ولكننا نريد أن نتتبع الطرق والأساليب التي سلكتها الإدارات الجامعية وأدت إلى ما نحن فيه من حالة اللا ثقة بالنفس والتوهان و(التخلف)، وبالتالي فقدان المقومات الحقيقية للنجاح والتميز، والبدء في البحث عن بدائل مشبوهة أو غير مشروعة، وانتهاء بالوصول إلى متناقضات غريبة وممارسات عجيبة تنقض عرى أي عملية بناء أو تطوير.

في التدريس، اهتمت الإدارات الجامعية المحلية بالحصول على الاعتمادات الأكاديمية العالمية، وأهملت جوهر التغيير الذي تبدأ صناعته بتغيير نمطها الإداري الرتيب، والخروج من عباءة التقليد إلى رحابة الإبداع والابتكار، فكان هدف الجامعات الأسمى مجرد حصول برامجها على الاعتماد الأكاديمي، وأهلكت في سبيل ذلك أموالا لبدا، وفي المقابل لا التدريس تطور، ولا الجودة حضرت، ولا حتى المخرجات كانت ذا قيمة علمية كتلك التي ترشح عن برامج مماثلة في جامعات أمريكية أو بريطانية لها نفس الاعتمادات.

الاهتمام في جامعة الملك عبدالعزيز بالاعتمادات الأكاديمية العالمية ليس جديدا، فورش العمل ولجان الاعتماد تكاد لا تنتهي، وأخبار الجامعة ومجالس كلياتها وأقسامها تكاد لا تخلو من الإشادة باللجان، ونشر صورهم وصور شهادات الاعتماد، أو الإشارة إلى حصول هذا البرنامج أو ذاك على اعتماد أكاديمي، ولا بأس في هذا كله، ولكن ماذا عن المردود الإيجابي لهذه الاعتمادات العالمية؟ هل له وجود أو أثر؟

على سبيل المثال: خريج كلية الهندسة من أي جامعة محلية لها اعتماد (ABET) ليس له نفس الحظوظ في المنافسة على فرص وظيفية مع نظير أجنبي تخرج من جامعة عالمية لها نفس الاعتماد، إما للفارق بين الجامعات في المكانة والسمعة العلمية، وإما للفارق في التأهيل بين الاثنين، بل ربما قد يجد صاحبنا صعوبة بالغة، وبالغة جدا، في الحصول على قبول للدراسة في أمريكا مثلا، خاصة في البرامج من ذوات الـ(ABET) العريقة إذا ما أراد استكمال دراسته العليا هناك، إذن ما قيمة اعتماداتهم لبرامجنا إن لم تتكافأ الفرص وتتقارب المخرجات في ظل افتراض تساوي المعايير!

في إحدى الجامعات المحلية الكبرى هناك ما لا يقل عن 25 برنامجا معتمدا من قبل منظمة (ABET)، بعضها معتمد منذ ما يزيد عن 15 سنة، وإذا ما أخذنا بالاعتبار تكلفة الاعتماد للبرنامج الواحد التي قد تصل في بعض الحالات إلى 20 ألف دولار، دون النظر لتكاليف السفر والإقامة، فإن متوسط التكلفة المالية التي صرفتها الجامعة في عشر سنوات ربما زاد عن مليوني ريال! مع ملاحظة أن هذه التقديرات الحسابية تقريبية، وفي حدودها الدنيا، ومعتمدة على ما تنشره (ABET) على موقعها الرسمي، فما نقوله هنا ليس سرا يكشف لأول مرة، أو زورا نلفقه لأحد -لا سمح الله- وبالإمكان مراجعته والتأكد منه، ولو أن رئيس الجامعة يتجاوب معنا ولا يخشى الإعلام الناقد لأتيناكم بالأرقام الدقيقة مئة بالمئة.

في البحث العلمي، حدث ولا حرج، يكفي أن نقول إن جامعة محلية ناشئة قفزت في مؤشر النشر العلمي بما نسبته 600% في غضون ثلاثة أعوام فقط، بمعنى أنها لم تتميز تميزا خارقا لقدرتها وعادتها فحسب، بل تميزت 6 أضعاف الخارقين للعادة، فيا له من تميز أخرق! وحتى لا نرهق أنفسنا في هذه الأمور، دعونا نتجاوز مسألة أخلاقيات النشر وخرافة قائمة علماء الـ 2% - مع أنه من الصعوبة تجاوز القيم والأخلاق- ولكن لنتجاوزها قليلا إلى حسابات تقديرية لمتوسط التكلفة المالية لبعض برامج النشر العلمي في جامعاتنا.

من خلال متابعتي لبرامج النشر المتسارع في الجامعات المحلية لفت انتباهي باحث من شبه القارة الهندية اسمه (تصور حياة) وهو بالفعل شعلة من الحيوية والنشاط، إذ أنه كل يوم كان ينشر بحثا، وله من الأبحاث ما يزيد عن ألفين، جلها إن لم تكن كلها مرتبطة بالجامعات السعودية، ثلاثة أرباعها يشير فيها لانتمائه لجامعة محلية كبرى (ورائدة في التصنيفات)، أو يشكرها على الدعم المالي الممنوح لفريق عمله، أو يضيف معه باحثا محليا أو باحثين أو ثلاثة، ولو قلنا جدلا: إن الجامعة كانت تمنحه على كل بحث يشير فيه لها أو يشرك معه باحثا منها ألف ريال فقط، كمكافأة أو هي حصته من مشروعات المجموعة البحثية (وهذا قليل وقليل جدا)، فإن ما أخذه (حياة) يفوق مليوني ريال! هي الحياة إذن يا (حياة)!

قد يكون (حياة) هذا باحثا عبقريا وأستاذا مميزا، وقد يكون خلاف ذلك، وهذا لا يهمنا ولا يعنينا بشيء أبدا، ولكن لا حياة فينا إن لم نقف بحزم وعزم، ونحاسب الإدارات الجامعية على كل ما تصرفه وتمنحه من أموال سخية تحت مسميات برامج شكلية، لا تسمن ولا تغني من جوع، علينا أن نكشف الممارسات الخاطئة أينما وجدت، ومهما كان مصدرها، وعلينا أن نستبدل الإدارات الممارسة لمثل هذه البرامج بإدارات واعية ومدركة، تضع نصب عينيها سمعة الوطن ومقدراته المالية خطا أحمر لا يمكن تجاوزه أو القفز فوقه.

تظن بعض الإدارات الجامعية أن تخصيص الدولة أموالا للبحث العلمي يعني صرفها بأي شكل كان، دون الوصول لأهداف حقيقية لا وهمية، ودون محاسبة أو متابعة دقيقة، وهذا (تصور) خاطئ بلا أدنى شك، ولو أن هيئة الزكاة والضرائب تدخلت وأخذت على (حياة) وشركائه المحليين (ضريبة نشر) لكانت تصورات الحياة معقولة على الأقل من باب: ما طاح من الشارب في اللحية.

drbmaz@