بندر الزهراني

قصة قصيرة: عزيز ولصوص الجامعة

السبت - 23 أكتوبر 2021

Sat - 23 Oct 2021

على هامش معرض الرياض الدولي للكتاب اتصل بي أحد الأصدقاء من المثقفين - من أولئك الذين برغم قسوة الحياة ومشقة طلب الرزق إلا أنهم لم يتخلوا عن فضيلة القراءة المتخصصة والتواجد في محافلها- يسألني لماذا تركنا مجالس الثقافة يتصدرها بعض التافهين من نجوم (السوشل ميديا)، يقصد ابتعادنا عن حركة التأليف والترجمة باختيارنا، وقلة تواجدنا في الساحة الثقافية، في مقابل رواج قلة قليلة من العناوين السخيفة في معرض الكتاب لبعض مشاهير الإعلانات، فقلت: الخير موجود وكثير، ولله الحمد، ولكن ماذا عساي أن أكتب؟ قال: يا أخي -وقد ظن بي خيرا- اكتب شيئا يرفع الذائقة الأدبية والحس الفني، اكتب ولو قصة قصيرة!

ولا أخفيكم أن فكرة كتابة الأقصوصة أو القصة القصيرة أو الطويلة -بعد اتصال صديقنا المثقف- ما تزال تراودني بين الفينة والأخرى، إلا أنني لا أعرف كيف أبدأ فصولها، ولا كيف أنهيها، ولا أدري هل أستحضر واقعا لحالة ما ثم أجعله غيبا لأخرى ينتظر وقوعه بطريقة دراماتيكية؟ أم استجمع أخيلة متمردة وأسقطها على واقع أحاول من خلالها تقليبه في ذهن القارئ كيفما أريد! (شغلانة) إذن العملية ليست سهلة كما نظن، بل هي عملية معقدة تتطلب وجود مقومات فطرية وأخرى مكتسبة، بالإضافة لتوفر مجموعة من الأدوات الحسية والمعنوية تدعم فكرة القصة وتحافظ على قوامها القصصي ونسقها الفني.

دعونا في هذه المساحة نحاول، ونجرب بأدوات بسيطة، كتابة قصة قصيرة، من نسج الخيال، ليس لها صلة بواقعنا إلا ما نحاول نحن أنفسنا إسقاطه على الواقع الذي نريده، وهذا لئلا نقع تحت طائلة القانون، أو وطأة الظنون، أو التأويلات البعيدة والتفسيرات الخاطئة، قصة قصيرة ومختصرة، تناقش إشكالية أكاديمية معينة، ونريد بشكل أو بآخر إما توجيه الرأي العام نحوها أو طرح حلول نعتقد أنها مفيدة أو أنها ستسهم في تعديل وضع معين إلى ما هو أفضل، وبما أننا في هذه الزاوية الأسبوعية نناقش القضايا الأكاديمية فلتكن قصتنا في خضم هذا المحيط الهائج.

وكما هو معروف عند الرواة وكتاب القصة أن من أهم أركان القصة القصيرة عند البناء: شخصية البطل، وهي الشخصية الأساسية التي تدور حولها مجمل الأحداث، ومن خلالها تبث الأفكار، ثم الشخصيات الثانوية التي تتداخل أدوارها مع دور الشخصية الأساسية، وبالتالي تكون مساعدة لها في التطور مع الأحداث، كما أن لدينا في المقابل شخصيات شريرة وهي المعارضة لشخصية البطل، وعلينا أن نختار المكان ونحدد الزمان، ونعقد العقدة، ونبحث عن الحلول! ها قد تعلمنا بسهولة كتابة الأقصوصة كمبتدئين، فلنبدأ إذن في المحاولة.

كان يا ما كان، في العصور ما بعد الطباشيرية أستاذ يقال له «عزيز»، يدرس نظرية القرار في جامعة «ياما كنا ياما»، لا يرضى بأنصاف الحلول، فإما له وإما عليه، ولا يقبل بنصف نجاح أو نصف حياة، متمرد حتى النخاع، عاطفي حد الثمالة، حازم عند الضرورة، قلبه ممتلئ بالحب والحنان، بسيط لكنه مغرور غرور العظماء، غامض غموض العلماء، ومتناقض تناقض الفلاسفة، تناقضه متعة، وغموضه سحر، في إحدى المرات كان يبحث عن المنطق في حب الذات عند الديناصورات، فوجد ما لم يكن في الحسبان أو يخطر على البال.

في أساطير الأولين: سبينوصور، وكاركارو، وباراصورو، هي أسماء لديناصورات جواريسية عاشت في بداية حياتها زواحف صغيرة من ذوات الدم البارد المسالمة والمهددة بالانقراض، ثم فجأة تضخمت حساباتها البنكية بفعل التمويل الذاتي والأبحاث التطويرية وبدلات التميز واللجان الدائمة، فأصبح آل سبينو يسكنون قصورا في الشاطئ بعد أن كانوا يبحثون عن فتات الخبز اليابس و»الشابورة» في «ميترو» حي الدقيق، وأصبح الكاركارو يقرض بالملايين طبقة الأرستقراطيين، لا من جيبه بل من جيوب الفقراء والمساكين من عائدات الذاتي ورسوم الانتساب، وأما الباراصورو فما زال ينحط نحطا من بعيد، لئلا يكتشف ما في بطنه، ويصار إلى التحقيق.

في الأسبوع القادم أعدكم -إن أعجبتكم أقصوصة اليوم- أن أستمر في هذا السرد حتى تصبح الأقصوصة قصة مكتملة الأركان، من يدري ربما فيما بعد تصبح القصة رواية، لم لا! وبعض القصص يكفي عنوانها عن سرد أحداثها، كقصة اليوم! فقط أخبروني إن رغبتم، فالحجر من الأرض والدم في رؤوس الديناصورات!

drbmaz@